الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } * { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } * { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } * { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } * { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } * { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

اللغَة: { ٱلْحُبُكِ } الطرائق جمع حبيكة كطريقة وزناً ومعنى قال الزجاج: الحُبك الطرائق الحسنة، والمحبوك في اللغة ما أُجيد عمله وقال ابن الأَعرابي: كلُّ شيءٍ أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته { ٱلْخَرَّاصُونَ } جمع خرَّاص وهو الكذَّاب { غَمْرَةٍ } الغمرة ما ستر الشيء وغطَّاه ومنه نهر غمر { يَهْجَعُونَ } ينامون والهجوع النومُ ليلاً { أَوْجَسَ } أحسَّ وشعر { صَرَّةٍ } صيحة وضجة { مُّسَوَّمَةً } معلَّمة.

التفسِير: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } هذا قسمٌ أقسم تعالى به أي أُقسم بالرياح التي تذرو التراب فتفرّقه، وتحمل الرمال من مكان إِلى مكان { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } أي وأقسم بالسحب التي تحمل أثقال الأمطار، وهي محمَّلة بالماء الذي فيه حياة البشر { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي وأقسم بالسفن التي تجري على وجه الماء جرياً سهلاً بيسر وهي تحمل ذرية بني آدم { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي وأقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق والأَمطار بين العباد، وكل ملك مخصَّص بأمر، فجبريل صاحب الوحي إِلى الأنبياء، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإِسرافيل صاحب الصور، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح قال المفسرون: أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرفها ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعه وقدرته، ثم ذكر جواب القسم فقال { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } أي إِن الذي توعدونه من الثواب والعقاب، والحشر والنشر، لأمرٌ صدقٌ محقَّق لا كذب فيه { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } أي وإِنَّ الجزاء لكائنٌ لا محالة، ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } جواب القسم أي إِنكم أيها الكفار لفي قول مضطرب في أمر محمد، فمنكم من يقول إِنه ساحر، ومنكم من يقول إِنه شاعر، وبعضكم يقول إِنه مجنون إِلى غير ما هنالك من أقوال مختلفة { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي يُصرف عن الإِيمان بالقرآن وبمحمد عليه السلام، من صُرِف عن الهداية في علم الله تعالى وحُرم السعادة { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } أي لُعن الكذابون الذين قالوا إِن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذاب وشاعر قال ابن الأنباري: والقتلُ إِذا أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } أي الذين هم غافلون لاهون عن أمر الآخرة { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي يقولون تكذيباً واستهزاءً: متى يوم الحساب والجزاء؟ قال تعالى رداً عليهم { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } أي هذا الجزاء كائن يوم يدخلون جهنم ويُحرقون بها { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أي تقول لهم خزنة النار: ذوقوا تعذيبكم وجزاءكم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي هذا الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءً.. ولما ذكر حال الكفار ذكر المؤمنين الأبرار فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي هم في بساتين فيها عيون جاريةٌ، تجري فيها على نهاية ما يُتنزه به { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أي راضين بما أعطاهم ربهم من الكرامة والنعيم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي كانوا في دار الدنيا محسنين في الأعمال، ثم ذكر طرفاً من إِحسانهم فقال { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } أي كانوا ينامون قليلاً من الليل ويصلُّون أكثره قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون من إلا قليلاً { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي وفي أواخر الليل يسغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إِحسانهم يعدُّون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار قال أبو السعود: أي هم مع قلة نومهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانٍ للمحسنين { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } مدحٌ ثالث أي وفي أموالهم نصيب معلوم قد أوجبوه على أنفسهم بمقتضى الكرم للسائل المحتاج، وللمتعفف الذي لا يسأل لتعففه { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } أي وفي الأرض دلائل واضحة على قدرة الله سبحانه ووحدانيته للموقنين بالله وعظمته، الذين يعرفونه بصنعه قال ابن كثير: أي وفي الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النباتات والحيوانات، والجبال والقفار، والبحار، والأنهار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الخلق البديع، ولهذا قال بعده { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } أي وفي أنفسكم آياتٌ وعبرٌ من مبدأ خلقكم إِلى منتهاه، أفلا تبصرون قدرة الله في خلقكم لتعرفوا قدرته على البعث؟ قال ابن عباس: يريد اختلاف الصور، والألسنة، والألوان، والطبائع، والسمع والبصر والعقل إِلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم وقال قتادة: من تفكَّر في خلق نفسه عرف أنه إِنما خُلق ولُيّنت مفاصله للعبادة { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } أي وفي السماء أسباب رزقكم ومعاشكم وهو المطر الذي به حياة البلاد والعباد، وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء قال الصاوي: والآيةُ قُصد بها الامتنان والوعد والوعيد { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } أي أٌقسم بربِّ السماءِ والأرض إِن ما توعدون به من الرزق والبعث والنشور لحقٌّ كائن لا محالة مثل نطقكم، فكما لا تشكون في نطقكم حين تنطقون فكذلك يجب ألا تشكوا في الرزق والبعث قال المفسرون: وهذا على سبيل التشبيه والتمثيل أي رزقكم مقسوم في السماء كنطقكم فلا تشكوا في ذلك، وهذا كقول القائل: هذا حق كما أنك هٰهنا، وهذا حقٌ كما أنك ترى وتسمع، فالرزق مثل النطق لا يفارق الشخص في حالٍ من الأحوال وفي الحديث

السابقالتالي
2 3 4