اللغَة: { ٱلْعُقُودِ } أصل العقد في اللغة: الربط تقول عقدتُ الحبل بالحبل ثم استعير للمعاني قال الزمخشري: العقد العهدُ الموثّق شبّه بعقد الحبل قال الحطيئة:
قومٌ إِذا عقدوا عقداً لجارهم
شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكَرَبا
{ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } البهيمة ما لا نطق له لما في صوته من الإِبهام والأنعام جمع نَعَم وهي الإِبل والبقر والغنم { ٱلْقَلاۤئِدَ } جمع قلادة وهي ما يقلد به الهدي من لحاء الشجر ليُعلم أنه هدي { يَجْرِمَنَّكُمْ } يكسبنكم يقال: جرم ذنباً أي كسبه وأجرم اكتسب الإِثم { شَنَآنُ } الشنآن: البغض { ٱلْمَوْقُوذَةُ } الوقذ: ضرب الشيء حتى يسترخي ويشرف على الموت { ٱلنُّصُبِ } صنمٌ وحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده وجمعه أنصاب كذا في اللسان { ٱلأَزْلاَمِ } القداح جمع زَلَم كان أحدهم إِذا أراد سفراً أو غزواً أو تجارة ضرب بالقداح وهو الاستقسام بالأزلام { مَخْمَصَةٍ } مجاعة لأن البطون فيها تُخمص أي تضمر والخمص ضمور البطن { ٱلْجَوَارِحِ } الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والصقر والشاهين. سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس أن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظّمون الشعائر وينحرون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنزلت { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ.. } الآية. التفسِير: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } الخطاب بلفظ الإِيمان للتكريم والتعظيم أي يا معشر المؤمنين أوفوا بالعقود وهو لفظ يشمل كل عقدٍ وعهد بين الإِنسان وربه وبين الإِنسان والإِنسان قال ابن عباس: العقود العهود وهي ما أحلَّ الله وما حرّم وما فرض في القرآن كله من التكاليف والأحكام { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي أُبيح لكم أكل الأنعام وهي الإِبل والبقر والغنم بعد ذبحها إِلا ما حُرّم عليكم في هذه السورة وهي الميتة والدم ولحم الخنزير الخ { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } أي أُحلت لكم هذه الأشياء من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } أي يقضي في خلقه بما يشاء لأنه الحكيم في أمره ونهيه { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } أي لا تستحلوا حُرمات الله ولا تعتدوا حدوده قال الحسن: يعني شرائعه التي حدها لعباده وقال ابن عباس: ما حرّم عليكم في حال الإِحرام { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } أي ولا تستحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه، ولا ما أُهدي إِلى البيت أو قُلّد بقلادة ليعرف أنه هدي بالتعرض له ولأصحابه { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إِلى بيت الله الحرام لحج أو عمرة، نهى تعالى عن الإِغارة عليهم أو صدهم عن البيت كما كان أهل الجاهلية يفعلون { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } أي إِذا تحللتم من الإِحرام فقد أُبيح لكم الصيد { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } أي لا يحملنكم بغضُ قوم كانوا قد صدوكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا عليهم { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } أي تعاونوا على فعل الخيرات وترك المنكرات، وعلى كلْ ما يقرب إِلى الله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي خافوا عقابه فإِنه تعالى شديد العقاب لمن عصاه { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } أي حُرّم عليكم أيها المؤمنون أكل الميتة وهي ما مات حتف أنفه من غير ذكاة والدم المسفوح ولحم الخنزير قال الزمخشري: كان أهل الجاهلية يأكلون هذه المحرمات: البهيمة التي تموت حتف أنفها والفصيد وهو الدم في الأمعاء يشوونه ويقولون لم يحرم من فُزد - أي فصد - له وإِنما ذكر لحم الخنزير ليبيّن أنه حرام بعينه حتى ولو ذبح بالطريق الشرعي { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي ما ذكر عليه غير اسم الله أو ذبح لغير الله كقولهم باسم اللات والعزّى { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } هي التي تُخنق بحبلٍ وشبهه { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } هي المضروبة بعصا أو حجر { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } هي التي تسقط من جبل ونحوه { وَٱلنَّطِيحَةُ } هي التي نطحتها بهيمة أُخرى فماتت بالنطح { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } أي أكل بعضَه السبع فمات { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } أي إِلا ما أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه الذبح الشرعي قبل الموت قال الطبري معناه: إِلاّ ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهوراً { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } أي وما ذُبح على الأحجار المنصوبة قال قتادة: النُّصبُ حجارةٌ كان أهل الجاهلية يعبدونها ويذبحون لها فنهى الله عن ذلك قال الزمخشري: كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها، يعظمونها بذلك ويتقربون به إِليها فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } أي وحُرّم عليكم الاستقسام بالأزلام أي طلب معرفة ما قُسم له من الخير والشر بواسطة ضرب القداح قال في الكشاف: كان أحدهم إِذا أراد سفراً أو غزواً أو تجارة أو نكاحاً أو أمراً من معاظم الأمور ضرب بالقداح وهي مكتوب على بعضها: نهاني ربي، وعلى بعضها أمرني ربي، وبعضُها غُفْلٌ فإِن خرج الآمر مضى لغرضه وإِن خرج الناهي أمسك وإِن خرج الغفل أعاد { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } أي تعاطيه فسقٌ وخروجٌ عن طاعة الله لأنه دخولٌ في علم الغيب الذي استأثر الله به علاّم الغيوب { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } أي انقطع طمع الكافرين منكم ويئسوا أن ترجعوا عن دينكم قال ابن عباس: يئسوا أن ترجعوا إِلى دينهم أبداً { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } أي لا تخافوا المشركين ولا تهابوهم وخافون أنصركم عليهم وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أي أكملت لكم الشريعة ببيان الحلال والحرام { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بالهداية والتوفيق إِلى أقوم طريق { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } أي اخترت لكم الإِسلام ديناً من بين الأديان وهو الدين المرضي الذي لا يقبل الله ديناً سواه