اللغَة: { كَفَّرَ } أزال ومحا { أَثْخَنتُمُوهُمْ } أكثرتم فيهم القتل والجراح والأسر قال في المصباح: أثخن في الأرض إِثخاناً، سار إِلى العدو وأوسعهم قتلاً، وأثخنته الجراحة أوهنته وأضعفته { ٱلْوَثَاقَ } القيد والحبل الذي يربط به { مَنًّا } إِطلاق الأسير من غير فدية { أَوْزَارَهَا } آلاتها وأثقالها وهي الأسلحة والعتاد يقال: وضعت الحرب أوزارها أي انقضت الحرب وانتهت، وأصل الأوزار الأثقال من السلاح والخيل قال الشاعر:
وأعددتُ للحرب أوزارها
رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً
{ تَعْساً } شقاءً وهلاكاً { آسِنٍ } متغيّر ومنتن { حَمِيماً } حاراً شديد الحرارة { آنِفاً } الآن، من قولهم، استأنف الأمر إِذا ابتدأ به { أَشْرَاطُ } أمارات وعلامات. التفسِير: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذا إِعلان حربٍ من الله تعالى على أعدائه وأعداء دينه والمعنى الذين جحدوا بآيات الله وأعرضوا عن الإِسلام، ومنعوا الناس عن الدخول فيه { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا ثواب لها لأنها لم تكن لله فبطلت، والمراد أعمالهم الصالحة كإِطعام الطعام، وصلة الأرحام، وقرى الضيف قال الزمخشري: وحقيقة إِضلال الأعمال جعلُها ضالةً ضائعة، ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإِبل، التي لا ربَّ لها يحفظها ويعتني بأمرها، والمراد أعمالهم التي عملوها في كفرهم بما كانوا يسمونه " مكارم الأخلاق " ، من صلة الأرحام، وفك الأسارى، وقرى الأضياف، وحفظ الجوار { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي جمعوا بين الإِيمان الصادق، والعمل الصالح { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } أي صدَّقوا بما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تصديقاً جازماً لا يخالجه شك ولا ارتياب وهو عطف خاص على عام، والنكتةُ فيه تعظيم أمره والاعتناء بشأنه، إشارةً إِلى أن الإِيمان لا يتمُّ بدونه، ولذا أكَّده بقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } أي وهو الثابت المؤكد المقطوع بأنه كلام الله ووحيهُ المنزَّل من عند الله، والجملة اعتراضية لتأكيد السابق { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي أزال ومحا عنهم ما مضى من الذنوب والأوزار { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي أصلح شأنهم وحالهم، في دينهم ودنياهم، ثم بيَّن تعالى سبب ضلال الكفار، واهتداء المؤمنين فقال { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } أي ذلك الإِضلال لأعمال الكفار بسبب أنهم سلكوا طريق الضلال، واختاروا الباطل على الحق { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } أي وأن المؤمنين سلكوا طريق الهدى، وتمسَّكوا بالحق والإِيمان المنزل من عند الرحمن { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } أي مثل ذلك البيان الواضح، بيَّن الله أمر كلٍ من الفريقين - المؤمنين والكافرين - بأوضح بيانٍ وأجلى برهان ليعتبر الناس ويتعظوا.. وبعد إِعلان هذه الحرب السافرة على الكافرين أمر تعالى المؤمنين بجهادهم فقال { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أي فإِذا أدركتم الكفار في الحرب فاحصدوهم حصْداً بالسيوف قال في التسهيل: وأصله فاضربوا الرقاب ضرباً ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه والمراد: اقتلوهم، ولكنْ عبَّر عنه بضرب الرقاب لأنه الغالب في صفة القتل { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } أي حتى إِذا هزمتموهم وأكثرتم فيهم القتل والجراحات ولم تبق لهم قوة للمقاومة فأْسروهم وكفُّوا عن قتلهم قال الزمخشري: وفي هذه العبارة { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حزُّ العنق وإِطارة رأس البدن، ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله