الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

سَبَبُ النّزول: روي أن أبا سفيان قال لكعب بن الأشرف - أحد أحبار اليهود - إِنك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً نحن أم محمد؟ فقال: اعرضوا عليَّ دينكم فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم!! فقال: دينكم خير من دينه وأنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ... } الآية.

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى شيئاً من أحوال الكفار في الآخرة وأنهم يتمنون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً.. أعقبه بذكر ما عليه اليهود من الكفر والجحود والتكذيب بآيات الله، ثم ذكر طائفة من عقائد أهل الكتاب الزائغة وما أعد لهم من العذاب المقيم في دار الجحيم أعاذنا الله منها.

اللغَة: { رَاعِنَا } راقبنا وانظرنا وهي كلمة سب في العبرية وكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة { أَقْوَمَ } أعدل وأصوب { نَّطْمِسَ } الطمس: المحو وإِذهاب أثر الشيء { فَتِيلاً } الفتيل: الخيط الذي في شق النواة { ٱلْجِبْتِ } اسم الصنم ثم صار مستعملاً لكل باطل { ٱلطَّاغُوت } كل ما عبد من دون الله من حجر أو بشر أو شيطان وقيل هو اسم للشيطان { نَقِيرا } النقير: النقطة التي على ظهر النواة { نُصْلِيهِمْ } ندخلهم.

التفسِير: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } الاستفهام للتعجيب من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم أي ألم تنظر يا محمد إِلى الذين أعطوا حظاً من علم التوراة وهم أحبار اليهود { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلاَلَةَ } أي يختارون الضلالة على الهدى ويؤثرون الكفر على الإِيمان { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي ويريدون لكم يا معشر المؤمنين أن تضلوا طريق الحق لتكونوا مثلهم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي هو تعالى أعلم بعداوة هؤلاء اليهود الضالِّين منكم فاحذروهم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } أي حسبكم أن يكون الله ولياً وناصراً لكم فثقوا به واعتمدوا عليه وحده فهو تعالى يكفيكم مكرهم.. ثم ذكر تعالى طرفاً من قبائح اليهود اللعناء فقال { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أي من هؤلاء اليهود فريق يبدّلون كلام الله في التوراة ويفسرونه بغير مراد الله قصداً وعمداً فقد غيّروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأحكام الرجم وغير ذلك { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي ويقولون لك إِذا دعوتهم للإِيمان سمعنا قولك وعصينا أمرك قال مجاهد: سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، وهذا أبلغ في الكفر والعناد { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي اسمع ما نقول لا سمعتَ والكلام ذو وجهين يحتمل الخير والشر وأصله للخير أي لا سمعتَ مكروهاً ولكنَّ اليهود الخبثاء كانوا يقصدون به الدعاء على الرسول صلى الله عليه وسلم أي لا أسمعكَ الله وهو دعاء بالصمم أو بالموت { وَرَاعِنَا } أي ويقولون في أثناء خطابهم راعنا وهي كلمة سبّ من الرعونة وهي الحُمْق، فكانوا سخريةً وهزؤاً برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإِهانة ويظهرون به التوقير والإِكرام ولهذا قال تعالى { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ } أي فتلاً وتحريفاً عن الحق إِلى الباطل وقدحاً في الإِسلام قال ابن عطية: وهذا موجود حتى الآن في اليهود وقد شاهدناهم يربّون أولادهم الصغار على ذلك ويحفظونهم ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي عوضاً من قولهم سمعنا وعصينا { وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا } أي عوضاً عن قولهم غير مسمع وراعنا أي لو أن هؤلاء اليهود قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك القول اللطيف بدل ذلك القول الشنيع { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أي لكان ذلك القول خيراً لهم عند الله وأعدل وأصوب { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي أبعدهم الله عن الهدى وعن رحمته بسبب كفرهم السابق فلا يؤمنون إِلا إِيماناً قليلاً قال الزمخشري: أي ضعيفاً ركيكاً لا يُعبأ به وهو إِيمانهم ببعض الكتب والرسل.

السابقالتالي
2 3 4