الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أحوال المشركين وضلالاتهم في عبادة غير الله، أردفه بذكر دلائل الوحدانية، ثم ذكر القرآن العظيم أشرف الكتب السماوية المنزَّلة، ومع إقرارهم بفصاحته وإِعجازه كذَّب به المكذبون، ثم ضرب للمشرك والموحّد مثلاً في غاية الوضوح.

اللغَة: { سَلَكَهُ } أدخله { يَنَابِيعَ } جمع ينبوعٍ وهو عين الماء النابع من الأرض { يَهِـيجُ } ييبس قال الأصمعي: هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتُها وولى وقال الجوهري: هاج النَّبْت هياجاً إِذا يبس، وأرضٌ هائجة إِذا يبس بقلُها أو اصفرَّ { حُطَاماً } فُتاتاً وهشيماً، من تحطَّم العود إِذا تفتَّت من اليبس { شَرَحَ } فتح ووسَّع { لِّلْقَاسِيَةِ } قسا القلبُ: إِذا صلب وكذلك عتا وعسا، وقلبٌ قاسٍ أي صلب لا يرقُّ ولا يلين { مَّثَانِيَ } مكرراً فيه الحكم والمواعظ والأمثال { تَقْشَعِرُّ } تضطرب وتتحرك من الخوف { ٱلْخِزْيَ } الذل والهوان { مُتَشَاكِسُونَ } متنازعون ومختلفون، ورجلٌ شكس: شرس الخُلق والطباع.

التفسِير: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي ألم تر أيها الإِنسان العاقل أنَّ الله بقدرته أنزل المطر من السحاب { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } أي أدخله مسالك وعيوناً في الأرض وأجراه فيها قال المفسرون: وهذا دليلٌ على أن ماء العيون من المطر، تحبسه الأرض ثم ينبع شيئاً فشيئاً قال ابن عباس: ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكنْ عروق في الأرض تغيِّره { ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أي ثم يُخرج بهذا الماء النازل من السماء والنابع من الأرض أنواع الزروع، المختلفة الأشكال والألوان، من أحمر وأبيض وأصفر، والمختلفة الأصناف من قمح وأرز وعدس وغير ذلك قال البيضاوي: { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أي أصنافه من بر وشعير وغيرهما، أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما { ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } أي ثم ييبس فتراه بعد خضرته مصفراً { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً } أي ثم يصبح فتاتاً وهشيماً متكسراً { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي إِنَّ فيما ذُكر لعظة وعبرة، ودلالةً على قدرة الله ووحدانيته لذوي العقول المستنيرة.. والآية فيها تمثيلٌ لحياة الإِنسان بالحياة الدنيا، فمهما طال عمر الإِنسان فلا بدَّ من الانتهاء، إلى أن يصير مصفر اللون، متحطم الأعضاء، متكسراً كالزرق بعد نضرته، ثم تكون عاقبته الموت قال ابن كثير: هكذا الدنيا تكون خضرة ناضرة حسناء، ثم تعود عجوزاً شوهاء، وكذلك الشاب يعود شيخاً هرماً، كبيراً ضعيفاً، وبعد ذلك كله الموت، فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } أي وسَّع صدره للإِسلام، واستضاء قلبه بنوره حتى ثبت ورسخ فيه { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } أي فهو على بصيرة ويقين من أمر دينه، وعلى هدىً من ربه بتنوير الحق في قلبه، وفي الآية محذوفٌ دلَّ عليه سياق الكلام تقديره كمن هو أعمى القلب، معرضٌ عن الإِسلام؟ قال الطبري: وتُرك الجوابُ اجتزاءً بمعرفة السامعين وبدلالة ما بعده وتقديره: كمن أقسى اللهُ قلبه وأخلاه من ذكره حتى ضاق عن استماع الحق، واتباع الهدى { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي فويلٌ للذين لا تلين قلوبهم ولا تخشع عند ذكر الله، بـ " ذكر الله " القرآن الذي أنزله الله تذكرة لعباده { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي أولئك الذين قست قلوبهم في بعدٍ عن الحق ظاهر.

السابقالتالي
2 3