المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما أعده للأبرار في دار النعيم، ذكر ما أعده للأشرار في دار الجحيم، ليظهر التمييز بين الفريقين، ثم ذكر قصة " نوح " وقصة " إِبراهيم " وما فيهما من العظات والعبر للمعتبرين. اللغَة: { نُّزُلاً } النُّزُل: الضيافة والتكرمة، وأصله ما يُعد للأضياف من الطعام والشراب وغيرهما { طَلْعُهَا } ثمرها، سُمي طلعاً لطلوعه { لَشَوْباً } خلطاً ومزاجاً من شاب الطعام يشوبه إِذا خلطه بشيء آخر { يُهْرَعُونَ } يُسرعون قال الفراء: الإِهراع: الإِسراع مع رعدة، وقال المبرّد: المُهرع: المستحثُّ يقال: جاء فلان يُهرعون إِلى النار، إِذا استحثَّه البرد إِليها { شِيعَتِهِ } شيعة الرجل أعوانه وأنصاره، ومن سار على طريقته ومنهاجه { إِفْكاً } كذباً وباطلاً { سَقِيمٌ } مريض وعليل { رَاغَ } راغ إِليه: أقبل عليه ومال نحوه خفيةً وأصله من الميل قال الشاعر:
ويُريك من طَرف اللسان حلاوةً
ويروغ فيك كما يروغ الثعلب
{ يَزِفُّونَ } يُسرعون في مشيهم { وَتَلَّهُ } صرعه وكبَّه على وجهه. التفسِير: { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } أي أنعيم الجنة خيرٌ ضيافةً وعطاءً أم شجرة الزقوم التي في جهنم؟ أيهما خيرٌ وأفضل؟ فالفواكه والثمار طعام أهل الجنة، وشجرة الزقوم طعام أهل النار، والغرض منه توبيخ الكفار { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أي إِنا جعلنا شجرة الزقوم فتنةً وابتلاءً لأهل الضلالة قال المفسرون: لما سمع الكفارُ ذكر شجرة الزقوم قالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تُحرق الشجر؟ وكان أبو جهل يقول لأصحابه: أتدرون ما الزقوم؟ إِنه الزُّبد والتمر، ثم يأتيهم به ويقول: تزقَّموا، هذا الذي يخوفنا به محمد { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } أي تنبت في قعر جهنم ثم هي متفرعة فيها { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } أي ثمرها وحملها كأنه رءوس الشياطين في تناهي القبح والبشاعة قال ابن كثير: وإِنما شبهها برءوس الشياطين، وإِن لم تكن معروفة عند المخاطبين، لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } أي فإِن هؤلاء الكفار لشدة جوعهم مضطرون إلى الأكل منها حتى تمتلىء منها بطونهم، فهي طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة، وفي الحديث " لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه " { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } أي ثم إِن لهم بعدما شبعوا منها وغلبهم العطش لمزاجاً من ماء حار قد انتهت حرارته يشاب به الطعام - أي يخلط - ليجمع لهم بين مرارة الزقوم، وحرارة الحميم، تغليظاً لعذابهم { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } أي ثم مصيرهم ومرجعهم إلى دركات الجحيم قال مقاتل: الحميم خارج الجحيم، فهم يوردون الحميم لشربه ثم يردون إلى الجحيم وقال أبو السعود: الزقوم والحميم نُزل يُقدَّم إِليهم قبل دخولها { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } أي وجدوهم على الضلالة فاقتدوا بهم { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } أي فهم يُسرعون في اتباع خطاهم من غير دليل ولا برهان قال مجاهد: شبَّهه بالهرولة كمن يُسرع إِسراعاً نحو الشيء { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي ضلَّ قبل قومك أكثر الأمم الماضية { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } أي أرسلنا فيهم رسلاً كثيرين يخوفونهم من عذاب الله ولكنهم تمادوا في الغيّ والضلال { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } أي فانظر يا محمد كيف كان مصير أمر هؤلاء المكذبين؟ ألم نهلكهم فنضيرهم عبرةً للعباد؟ { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي لكنْ عبادَ الله المؤمنين الذين أخلصهم تعالى لطاعته فإِنهم نجوا من العذاب.