اللغَة: { أَغْلاَلاً } جمع غُلّ وهو القيد الذي يوضع في اليد، وقد تشدُّ به اليد مع العنق { مُّقْمَحُونَ } رافعو الرؤوس مع غض البصر، قال أهل اللغة: الإِقماح: رفع الرأس وغض البصر يقال: أقمح البعير إذا رفع رأسه عند الحوض وامتنع من الشرب، قال بشر يصف سفينة:
ونحن على جوانبها قعودٌ
نغضُّ الطرف كالإِبل القِماح
{ سَدّاً } السَّد: الحاجز والمانع بين الشيئين { فَعَزَّزْنَا } عززه قوَّاه وشدَّ من أزره { تَطَيَّرْنَا } تشاءمنا، والتطير التشاؤم، وأصله من الطير إذا طار الى جهة اليسار تشاءموا به { خَامِدُونَ } ميتون لا حراك بهم كما تخمد النار. التفسِير: { يسۤ } الحروف المقطعة في أوائل بعض السور الكريمة للتنبيه على إعجاز القرآن، وأنه مصوغ من جنس هذه الحروف الهجائية التي يعرفونها ويتكلمون بها، ولكنَّ نظمه البديع المعجز آيةٌ على كونه من عند الله وقال ابن عباس: معنى " يسۤ " يا إنسان في لغة طيء، وقيل: هو اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله بعده { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وقيل معناه: يا سيد البشر قاله أبو بكر الوراق { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } قسم من الله تعالى بالقرآن، والحكيم معناه المحكم، الذي لا يلحقه تغيير ولا تبديل، ولا يعتريه تناقض أو بطلان قال القرطبي: أُحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل وقال أبو السعود: أي المتضمن للحكمة أو الناطق بالحكمة من حيث نظُمه المعجزُ، المنطوي على بدائع الحكم.. والخلاصة فقد أقسم تعالى بهذا الكتاب المحكم، المعجز في نظمه، وبديع معانيه، المتقن في تشريعه وأحكامه، الذي بلغ أعلى طبقات البلاغة، على أن محمداً رسوله، وفي هذا القسم من التعظيم والتفخيم لشأن الرسول ما فيه { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } جواب القسم أي إنك يا محمد لمن المرسلين من رب العالمين لهداية الخلق قال ابن عباس: قالت كفار قريش: لست يا محمد مرسلاً، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن العظيم المحكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على طريق ونهج مستقيم، لا انحراف فيه ولا اعوجاج، هو الإِسلام دين الرسل قبلك، الذين جاءوا بالإِيمان والتوحيد قال الطبري: أي على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإِسلام كما قال قتادة، والتنكير للتفخيم والتعظيم { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } أي هذا القرآن الهادي المنير، تنزيلٌ من ربّ العزة جل وعلا، العزيز في ملكه، الرحيم بخلقه { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } أي لتنذر يا محمد بهذا القرآن العرب، الذين ما جاءهم رسولٌ ولا كتاب، لتطاول زمن الفترة عليهم، والمراد بالإِنذار تخويفهم من عذاب الله { فَهُمْ غَافِلُونَ } أي فهم بسبب ذلك غافلون عن الهدى والإِيمان، يتخبطون في ظلمات الشرك وعبادة الأوثان.