الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } * { خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

اللغَة: { ٱلْحَكِيمِ } المحكم الذي لا خلل فيه ولا تناقض { يُوقِنُونَ } اليقين: التصديق الجازم { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } الباطل الملهي عن الخير والعبادة { وَقْراً } ثِقلاً وصمماً يمنع من السماع { عَمَدٍ } جمع عِماد وهو الدعامة التي يرتكز عليها الشيء { رَوَاسِيَ } جبالاً وثوابت، ورست السفينة: إِذا ثبتت واستقرت { تَمِيدَ } تتحرك وتضطرب { وَبَثَّ } نشر وفرَّق.

سَبَبُ النّزول: روي أن " النضر بن الحارث " كان يشتري المغنِّيات، فلا يظفر بأحدٍ يريد الإِسلام إِلا انطلق به إِلى قينته " المغنية " فيقول لها: أطعميه، واسقيه الخمر، وغنّيه، ويقول: هذا خيرٌ مما يدعوك إِليه محمد، من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه فأنزل الله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } الآية.

التفسِير: { الۤـمۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن، وللإِشارة إِلى أن هذا الكتاب المعجز الذي أفحم العلماء والأدباء والفصحاء والبلغاء منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية " ألف، لام، ميم " وهي في متناول أيدي الناطقين بالعربية، وهم عاجزون ان يؤلفوا منها كتاباً مثل هذا الكتاب بعد التحدي والإِفحام، وهذا من أ ظهر الدلائل وأوضح البراهين على أنه تنزيل الحكيم العليم { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي هذه آيات الكتاب البديع، الذي فاق كل كتاب في بيانه، وتشريعه، وأحكامه { ٱلْحَكِيمِ } أي ذي الحكمة الفائقة، والعجائب الرائقة، الناطق بالحكمة والبيان، والإِشارة بالبعيد عن القريب " تلك " للإِيذان ببعد منزلته في الفضل والشرف { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } أي هداية ورحمة للمحسنين الذين أحسنوا العمل في الدنيا، وإِنما خُصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون بما فيه، ثم وضح تعالى صفاتهم فقال { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أي يؤدونها على الوجه الأكمل بأركانها وخشوعها وآدابها { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي يدفعونها إلى مستحقيها طيبةً بها نفوسهم ابتغاء مرضاة الله { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أي يصدّقون بالدار الآخرة ويعتقدون بها اعتقاداً جازماً لا يخالطه شك ولا ارتياب، وكرَّر الضمير " هم " للتأكيد وإِفادة الحصر { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة على نور وبصيرة، ومنهج واضح سديد، من الله العزيز الحميد { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي هم الفائزون السعداء في الدنيا والآخرة قال أبو حيان: وكرر الإِشارة { وَأُوْلَـٰئِكَ } تنبيهاً على عظم قدرهم وفضلهم، ولما ذكر تعالى حال السعداء، الذين أهتدوا بكتاب الله وانتفعوا بسماعه، عطف عليهم بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع الغناء والمزامير فقال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي ومن الناس من يشتري ما يُلهي عن طاعة الله، ويَصُد عن سبيله، مما لا خير ولا فائدة فيه قال الزمخشري: واللهو كل باطلٍ ألهى عن الخير، نحو السمر بالأساطير، والتحدث بالخرافات المضحكة، وفضول الكلام وما لا ينبغي، وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الآية فقال: والله الذي لا إِله إِلا هو - يكررها ثلاثاً - إٍنما هو الغناء، وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي ليُضل الناس عن طريق الهدى، ويُبعدهم عن دينه القويم، بغير حجة ولا برهان { وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } أي ويتخذ آيات الكتاب المجيد سخرية واستهزاءً، وهذا أدخل في القبح، وأعرقُ في الضلال { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي لهم عذاب شديد مع الذلة والهوان { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } أي وإِذا قرئت عليه آيات القرآن { وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أي أعرض وأدبر متكبراً عنها كأنه لم يسمعها، شأن المتكبر الذي لا يلتفت إِلى الكلام، ويجعل نفسه كأنها غافلة { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أي كأن في أذنيه ثقلاً وصمماً يمنعانه عن استماع آيات الله { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي أنذره يا محمد بعذاب مؤلمٍ، مفرطٍ في الشدة والإِيلام، ووضع البشارة مكان الإِنذار تهكم وسخرية قال في البحر: تضمنت هذه الآية ذمَّ المشتري من وجوه: التولية عن الحكمة، ثم الاستكبار عن الحق، ثم عدم الالتفات إِلى سماع الآيات، ثم الإِيغال في الإِعراض مشبهاً حال من لم يسمعها، لكونه لا يلقي لها بالاً ولا يلتفت إِليها، ثم التهكم به بالبشارة بأشد العذاب.

السابقالتالي
2 3 4