الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

المنَاسَبَة: لما حكى تعالى عن المؤمنين دعاءهم وتضرعهم أن يثبتهم الله على الإِيمان، حكى عن الكافرين سبب كفرهم وهو اغترارهم في هذه الحياة بكثرة المال والبنين، وبيّن أنها لن تدفع عنهم عذاب الله، كما لن تغني عنهم شيئاً في الدنيا، وضرب على ذلك الأمثال بغزوة بدر حيث التقى فيها جند الرحمن بجند الشيطان، وكانت النتيجة اندحار الكافرين مع كثرتهم وانتصار المؤمنين مع قلتهم، فلم تنفعهم الأموال ولا الأولاد، ثم أعقب تعالى ذلك بذكر شهوات الدنيا ومُتَع الحياة التي يتنافس الناس فيها، ثم ختمها بالتذكير بأن ما عند الله خيرٌ للأبرار.

اللغَة: { تُغْنِيَ } الإِغناء: الدفع والنفع { وَقُودُ ٱلنَّارِ } الوَقود بفتح الواو الحطبُ الذي توقد به النار وبالضم مصدر بمعنى الاتقاد { دَأْبِ } الدأب: العادة والشأن وأصله من دأب الرجل في عمله إِذا جدَّ فيه واجتهد ثم أُطلق الدأب على العادة والشأن لأن من دأب على شيء أمداً طويلاً صار له عادةً { آيَةٌ } علامة { فِئَةٌ } جماعة وسميت الجماعة من الناس فئةً لأنه يُفاء إِليها في وقت الشدة { َعِبْرَةً } العبرة: الاتعاظ ومنه يقال: اعتبر، واشتقاقها من العبور وهو مجاوزة الشيء إِلى الشيء ومنه عبور النهر، فالاعتبار انتقال من حالة الجهل إِلى حالة العلم { زُيِّنَ } التزيين: تحسين الشيء وتجميله في عين الإِنسان { ٱلشَّهَوَاتِ } الشهوة: ما تدعو النفس إِليه وتشتهيه والفعل منه اشتهى ويُجمع على شهوات { وَٱلْقَنَاطِيرِ } جمع قنطار وهو العُقدة الكبيرة من المال أو المال الكثير الذي لا يحصى { ٱلْمُقَنْطَرَةِ } المضعَّفة وهو للتأكيد كقولك ألوف مؤلَّفة وأضعاف مضاعفة قاله الطبري، وروي عن الفراء أنه قال: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير { ٱلْمُسَوَّمَةِ } المعلّمة بعلامة تجعلها حسنة المنظر تجتلب الأنظار وقيل المسوَّمة: الراعية وقال مجاهد وعكرمة: إِنها الخيل المطهّمة الحسان { ٱلْمَآبِ } المرجع يقال: آب الرجل إِياباً ومآباً قال تعالى { إِن إِلينا إِيابهم } { ٱلأَسْحَارِ } السَّحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.

سَبَبُ النّزول: " لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر، ورجع إِلى المدينة جمع اليهود فقال لهم: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً فقد عرفتم أني نبيٌ مرسل، فقالوا يا محمد: لا يغرنّك من نفسك أنك قتلتَ نفراً من قريش كانوا أغماراً - يعني جهالاً - لا علم لهم بالحرب، إِنك والله لو قاتلتنا لعرفتَ أنا نحن الرجال، وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } " الآية.

التفسِير: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم } أي لن تفيدهم الأموال والأولاد، ولن تدفع عنهم من عذاب الله في الآخرة { مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي من عذاب الله وأليم عقابه { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } أي هم حطب جهنم الذي تُسْجر وتوقد به النار { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } أي حال هؤلاء الكفار وشأنهم كحال وشأن آل فرعون، وصنيعُهم مثلُ صنيعهم { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة كقوم هود وصالح وشعيب { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي كذبوا بالآيات التي تدل على رسالات الرسل { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } أي أهلكهم وعاقبهم بسبب الكفر والمعاصي { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فكما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم فكذلك لن تنفع هؤلاء.

السابقالتالي
2 3