الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

المنَاسَبَة: لما حذّر تعالى من مكايد أهل الكتاب، وأمر بالاعتصام بحبل الله والتمسك بشرعه القويم، دعا المؤمنين إلى القيام بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر بالائتلاف وعدم الاختلاف، ثم ذكر ما حلَّ باليهود من الذل والصَّغار بسبب البغي والعدوان.

اللغَة: { أُمَّةٌ } طائفة وجماعة { ٱلْبَيِّنَاتُ } الآيات الواضحات { ٱلْمَعْرُوفِ } ما أمر به الشرع واستحسنه العقل السليم { ٱلْمُنْكَرِ } ما نهى عنه الشرع واستقبحه العقل السليم { ٱلأَدْبَارَ } جمع دبر وهو مؤخر كل شيء يقال: ولاه دبره أي هرب من وجهه { ثُقِفُوۤاْ } وجدوا وصودفوا { حَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } الحبل معروف والمراد به هنا: العهد وسمي حبلاً لأنه سبب يحصل به الأمن وزوال الخوف { بَآءُوا } رجعوا { ٱلْمَسْكَنَةُ } الفقر.

التفسِير: { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } أي ولتقم منكم طائفة للدعوة إلى الله { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي هم الفائزون { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي لا تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين واختلفوا فيه بسبب اتباع الهوى من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي لهم بسبب الاختلاف عذاب شديد يوم القيامة { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } أي يوم القيامة تبيض وجوه المؤمنين بالإِيمان والطاعة، وتسود وجوه الكافرين بالكفر والمعاصي { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } هذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإِجمال والمعنى أما أهل النار الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على سبيل التوبيخ: أكفرتم بعد إيمانكم أي بعد ما وضحت لكم الآيات والدلائل { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أي ذوقوا العذاب الشديد بسبب كفركم { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } أي وأما السعداء الأبرار الذين ابيضت وجوههم بأعمالهم الصالحات { فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي فهم في الجنة مخلدون لا يخرجون منها أبداً { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } أي هذه آيات الله نتلوها عليك يا محمد حال كونها متلبسة بالحق { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } أي وما كان الله ليظلم أحداً ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي الجميع ملكٌ له وعبيد { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس } أي أنتم يا أمة محمد خير الأمم لأنكم أنفع الناس للناس ولهذا قال { أُخْرِجَتْ لِلنَّاس } أي أخرجت لأجلهم ومصلحتهم، روى البخاري عن أبي هريرة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: خير الناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإِسلام { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } وهذا بيان لوجه الخيرية كأنه قيل السبب في كونكم خير أمة هذه الخصال الحميدة روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " من سرَّه أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها " ثم قال تعالى { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي لو آمنوا بما أنزل على محمد وصدّقوا بما جاء به لكان ذلك خيراً لهم في الدنيا والآخرة { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي منهم فئة قليلة مؤمنة كالنجاشي وعبد الله بن سلام، والكثرةُ الكثيرة فاسقة خارجة عن طاعة الله، { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } أي لن يضروكم إلا ضرراً يسيراً بألسنتهم من سبٍّ وطعن { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي ينهزمون من غير أن ينالوا منكم شيئاً { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } أي ثم شأنهم الذي أبشركم به أنهم مخذولون لا ينصرون والجملة استئنافية { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } أي لزمهم الذل والهوان أينما وجدوا وأحاط بهم كما يحيط البيت المضروب بساكنه { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } أي إِلا إذا اعتصموا بذمة الله وذمة المسلمين قال ابن عباس: بعهدٍ من الله وعهدٍ من الناس { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي رجعوا مستوجبين للغضب الشديد من الله { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } أي لزمتهم الفاقة والخشوع فهي محيطة بهم من جميع جوانبهم { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي ذلك الذل والصغار والغضب والدمار، بسبب جحودهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ظلماً وطغياناً { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي بسبب تمردهم وعصيانهم أوامر الله تعالى.

السابقالتالي
2