الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } * { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن " سليمان بن داود " الذي جمع الله له بين " النبوة والمُلْك " فكان نبياً ملكاً، وسخر له الإِنس والجن وعلمه منطق الطير، وتذكر الآيات هنا قصته مع " بلقيس " ملكة سبأ وما كان من الأمور العجيبة التي حدثت في زمانه.

اللغَة: { تَفَقَّدَ } التفقد: طلب ما غاب عن الإِنسان { ٱلْخَبْءَ }: الشيءُ المخبوء من خبأتُ الشيء أخبؤه خبأَ إذا سترته { صَاغِرُونَ } أذلاء مهانون من الصَّغار وهو الذل { عِفْرِيتٌ } العفريب: القويُ المارد من الشياطين ومن الإِنس، والخبيث الماكر { ٱلصَّرْحَ } القصر، وكلُّ بناءٍ عال مرتفع يسمى صرحاً ومنه قول فرعون " يا هامان ابن لي صَرْحاً " { مُّمَرَّدٌ } الممرَّد: المملَّس، والأمرد الذي لم تخرج لحيته بعد إداركه، وشجرةٌ مرداء: لا ورقَ عليها { قَوارِيرَ } جمع قارورة وهي الزجاجة.

التفسِير: { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } أي بحث سليمان وفتش عن جماعة الطير { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } أي لم لا أرى الهُدهد هٰهنا؟ قال المفسرون: كانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها، فلما فصل سليمان عن وادي النمل ونزل في قفرٍ من الأرض عطش الجيش فسألوه الماء، وكان الهدهد يدله، على الماء فإِذا قال: هٰهنا الماء شقت الشياطين وفجَّرت العيون، فطلبه في ذلك اليوم فلم يجده فقال مالي لا أراه { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } أمْ منقطعة بمعنى " بل " أي بل هو غائب، ذهب دون إذنٍ مني { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي لأعاقبنه عقاباً أليماً بالسجن أو نتف الريش أو الذبح أو ليأتيني بحجة واضحة تبيّن عذره { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أي فأقام الهدهد زماناً يسيراً ثم جاء إلى سليمان { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي اطلعت على ما لم تطّلع عليه وعرفت ما لم تعرفه { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي وأتيتك من مدينة سبأ - باليمن - بخبرٍ هامٍ، وأمر صادقٍ خطير { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } أي من عجائب ما رأيت أن امرأة - تسمى بلقيس - هي ملكة لهم، وهم يدينون بالطاعة لها { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } أي وأُعطيت من كل شيء من الأشياء التي يحتاج إليها الملوك من أسباب الدنيا من سعة المال وكثرة الرجال ووفرة السلاح والعتاد { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } أي ولها سرير كبير مكلَّل بالدر والياقوت قال قتادة: كان عرشُها من ذهب، قوائمُه من جوهر، مكلَّل باللؤلؤ قال الطبري: وعنى بالعظيم في هذا الموضع العظيم في قدره وخطره، لا عِظمه في الكبر والسعة، ولهذا قال ابن عباس: { عَرْشٌ عَظِيمٌ } أي سرير كريم حسن الصنعة، وعرشُها سريرٌ من ذهب قوائمُه من جوهرٍ ولؤلؤ، ثم أخذ يحدثه عما هو أعظم وأخطر فقال { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي وجدتهم جميعاً مجوساً يعبدون الشمس ويتركون عبادة الواحد الأحد { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي حسَّن لهم إبليس عبادتهم الشمس وسجودهم لها من دون الله { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي منعهم بسبب هذا الضلال عن طريق الحق والصواب { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } أي فهم بسبب إغواء الشيطان لا يهتدون إلى الله وتوحيده، ثم قال الهدهد متعجباً { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي أيسجدون للشمس ولا يسجدون للّهِ الخالق العظيم، الذي يعلم الخفايا ويعلم كل مخبوء في العالم العلوي والسفلي؟ قال ابن عباس: يعلم كل خبيئةٍ في السماء والأرض { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي ويعلم السرَّ والعلن، ما ظهر وما بطن { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } أي هو تعالى المتفرد بالعظمة والجلال، ربُّ العرش الكريم المستحق للعبادة والسجود، وخصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات، وإِلى هنا انتهى كلام الهُدهد { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي قال سليمان: سننظر في قولك ونتثبت هل أنت صادقٌ أم كاذب فيه؟ قال ابن الجوزي: وإِنما شكَّ في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره سلطان، ثم كتب كتاباً وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهُدهد وقال { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } أي اذهب بهذا الكتاب وأوصلْه إلى ملكة سبأ وجندها { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي تنحَّ إلى مكان قريب مستتراً عنهم { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } أي فانظر ماذا يردون من الجواب؟ قال المفسرون: أخذ الهدهد الكتاب وذهب إلى بلقيس وقومها، فرفرف فوق رأسها ثم ألقى الكتاب في حجرها { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي قالت لأشراف قومها إنه أتاني كتاب عظيم جليل { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } أي إن هذا الكتاب مرسل من سليمان ثم فتحته فإِذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم وهو استفتاح شريفٌ بارع فيه إعلان الربوبية للّه ثم الدعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي لا تتكبروا عليَّ كما يفعل الملوك وجيئوني مؤمنين قال ابن عباس: أي موحدين، وقال سفيان: طائعين { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } أي أشيروا عليَّ في الأمر { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } أي ما كنتُ لأقضي أمراً بدون حضوركم ومشورتكم { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي نحن أصحابُ كثرةٍ في الرجال والعتاد، وأصحابُ شدةٍ في الحرب { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }؟ أي وأمرنا إليكِ فمرينا بما شئتِ نمتثل أمرك، وقولهم هذا دليلٌ على الطاعة المفرطة قال القرطبي: أخذتْ في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها، فراجعها الملأ بما يُقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها، وهذه محاورة حسنة من الجميع قال الحسن البصري: فوَّضوا أمرهم إلى عِلجةٍ يضطرب ثدياها، فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وأعلم { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } أي إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدةٍ عنوةً وقهراً خربوها { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أي أهانوا أشرافها وأذلوهم بالقتل والأسر والتشريد { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أي وهذه عادتهم وطريقتهم في كل بلدٍ يدخلونها قهراً، ثم عدلت إلى المهادنة والمسالمة فقالت { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي وإِني سأبعث إليه بهدية عظيمة تليقُ بمثله، فأنظر هل يقبلها أم يردُّها؟ قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها!! علمتْ أن الهدية تقع موقعاً من الناس، وقال ابن عباس: قالت لقومها إن قبِلَ الهدية فهو ملك يريد الدنيا فقاتلوه، وإِن لم يقبلها فهو نبيٌ صادق فاتبعوه { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ }؟ أي فلما جاء رسل بلقيس إلى سليمان بالهدية العظيمة قال منكراً عليهم: أتصانعونني بالمال والهدايا لأترككم على كفركم وملككم؟ { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي فما أعطاني الله من النبوة والمُلك الواسع خيرٌ مما أعطاكم من زينة الحياة فلا حاجة لي بهديتكم { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } أي أنتم تفرحون بالهدايا لأنكم أهل مفاخرةٍ ومكاثرة في الدنيا، ثم قال لرئيس الوفد { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي ارجع إليهم بهديتهم فواللهِ لنأتينَّهم بجنودٍ لا طاقة لهم بمقابلتها، ولا قدرة لهم على مقاتلتها { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي ولنخرجنهم من أرضهم ومملكتهم أذلاء حقيرين إن لم يأتوني مسلمين قال ابن عباس: لما رجعت رسلُ بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت قد عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك ثم ارتحلْت إلى سليمان في اثني عشر ألف قائد { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }؟ أي قال سليمان لأشراف من حضره من جنده: أيكم يأتيني بسريرها المرصَّع بالجواهر قبل أن تصل إليَّ مع قومها مسلمين؟ قال البيضاوي: أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله به من العجائب، الدالة على عظيم القدرة، وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكّر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟ { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي قال ماردٌ من مردة الجنِّ: أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس الحكم - وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم - وغرضُه أنه يأتيه به في أقل من نصف نهار { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أي وإِني على حمله لقادرٌ، وأمينٌ على ما فيه من الجواهر والدُّر وغير ذلك { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قال المفسرون: هو " آصف بن برخيا " كان من الصِّدقين يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وهو الذي أتى بعرش بلقيس وقال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك أي آتيك به بلمح البصر فدعا الله فحضر العرشُ حالاً { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } أي فلما نظر سليمان ورأى العرش - السرير - حاضراً لديه قال: هذا من فضل الله عليَّ، وإِحسانه إليَّ { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }؟ أي ليختبرني أأشكر إنعامه، أم أجحد فضله وإِحسانه؟ { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } أي ومن شكر فمنفعة الشكر لنفسه، لأنه يستزيد من فضل الله

السابقالتالي
2 3