اللغَة: { بَاخِعٌ } مهلك وقاتل وأصل البخع: أن يبلغ بالمذبوح البخاع وهو الخرم النافذ في ثقب الفقرات وهو أقصى حدِّ الذبح { فَعْلَتَكَ } الفَعْلة بفتح الفاء المرة من الفعل { تَلْقَفُ } تبتلع { يَأْفِكُونَ } من الإِفك وهو الكذب { لاَ ضَيْرَ } لا ضرر، والضرُّ والضير بمعنى واحد قال الجوهري: ضارة يضوره ضيْراً أي ضرَّه قال الشاعر:
فإِنك لا يضورك بعد حولٍ
أظبيٌ كان أمك أم حمار
{ مُنقَلِبُونَ } راجعون { مِّنْ خِلاَفٍ } أي يخالف بين الأعضاء فيقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. التفسِير: { طسۤمۤ } إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم وأنه مركب من أمثال هذه الحروف الهجائية { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } أي هذه آيات القرآن الواضح الجلي، الظاهر إعجازه لمن تأمله { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي لعلك يا محمد مهلكٌ نفسك لعدم إِيمان هؤلاء الكفار، فيه تسلية للرسول عليه السلام حتى لا يحزن ولا يتأثر على عدم إيمانهم { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً } أي لو شئنا لأنزلنا آية من السماء تضطرهم إلى الإِيمان قهراً { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } أي فتظل أعناقهم منقادةً خاضعة للإِيمان قسراً وقهراً، ولكنْ لا نفعل لأنا نريد أن يكون الإِيمان اختياراً لا اضطراراً قال الصاوي: المعنى لا تحزن على عدم إيمانهم فلو شئنا إيمانهم لأنزلنا معجزة تأخذ بقلوبهم فيؤمنون قهراً عليهم، ولكنْ سبق في علمنا شقاؤهم فأرحْ نفسك من التعب { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي ما يأتي هؤلاء الكفار شيء من القرآن أو الوحي منزلٍ من عند الرحمن { مُحْدَثٍ } أي جديد في النزول، ينزل وقتاً بعد وقت { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } أي إلاّ كذبوا به واستهزءوا ولم يتأملوا بما فيه من المواعظ والعِبَر { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي فقد بلغوا النهاية في الإِعراض والتكذيب فسوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا واستهزءوا به، ثم نبّه تعالى على عظمة سلطانه، وجلالة قدره في مخلوقاته ومصنوعاته، الدالة على وحدانيته وكمال قدرته فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } أي أولم ينظروا إلى عجائب الأرض كم أخرجنا فيها من كل صنفٍ حسنٍ محمود، كثير الخير والمنفعة؟ والاستفهام للتوبيخ على تركهم الاعتبار { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي إِنَّ في ذلك الإِنبات لآيةً باهرة تدل على وحدانية الله وقدرته { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي وما كان أكثرهم يؤمن في علم الله تعالى، فمع ظهور الدلائل الساطعة يستمر أكثرهم على كفرهم { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي هو سبحانه الغالب القاهر، القادر على الانتقام ممن عصاه، الرحيم بخلقه حيث أمهلهم ولم يعجّل لهم العقوبة مع قدرته عليهم قال أبو العالية: العزيز في نقمته ممن خالف أمره وعبَد غيره، الرحيم بمن تاب إليه وأناب وقال الفخر الرازي: إنما قدم ذكر { ٱلْعَزِيزُ } على { ٱلرَّحِيمُ } لأنه ربما قيل: إنه رحمهم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر العزيز وهو الغالب القاهر، ومع ذلك فإِنه رحيم بعباده، فإِن الرحمة إذا كانت مع القدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } أي واذكر يا محمد لأولئك المعرضين المكذبين من قومك حين نادى ربك نبيَّه موسى من جانب الطور الأيمن آمراً له أن يذهب إلى فرعون وملئه { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي بأن أئت هؤلاء الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، واستعباد الضعفاء من بني إسرائيل { قَوْمَ فِرْعَوْنَ } أي هم قوم فرعون، وهو عطف بيان كأن القوم الظالمين وقوم فرعون شيء واحد { أَلا يَتَّقُونَ }؟ أي ألا يخافون عقاب الله؟ وفيه تعجيب من غلوهم في الظلم وإِفراطهم في العدوان { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } أي قال موسى يا ربّ إني أخاف أن يكذبوني في أمر الرسالة { وَيَضِيقُ صَدْرِي } أي ويضيق صدري من تكذيبهم أياي { وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } أي ولا ينطلق لساني بأداء الرسالة على الوجه الكامل { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } أي فأرسلْ إلى هارون ليعينني على تبليغ رسالتك قال المفسرون: التمس موسى العذر بطلب المعين بثلاثة أعذار كلُّ واحدٍ منها مرتب على ما قبله وهي: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وعدم انطلاق اللسان، فالتكذيبُ سببٌ لضيق القلب، وضيقُ القلب سببٌ لتعسر الكلام، وبالأخص على من كان في لسانه حُبْسه كما في قوله