المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصص الأنبياء لرسوله صلى الله عليه وسلم أتبعه بذكر ما يدل على نبوته من تنزيل هذا القرآن المعجز على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين. اللغَة: { زُبُرِ } الزُّبُر: الكُتُب جمع زَبور كرسول ورُسُل { ٱلأَعْجَمِينَ } جمع أعجمي وهو الذي لا يُحسن العربية، يقال: رجل أعجمي إذا كان غير فصيح وإِن كان عربياً، ورجلٌ عجمي أي غير عربي وإِن كان فصيح اللسان { بَغْتَةً } فجأة { مُنظَرُونَ } مؤخرون وممهلون يقال: أنْظره أي أمهله { أَفَّاكٍ } كذَّاب { مُنقَلَبٍ } مصير. التفسِير: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي وإِن هذا القرآن المعجز لتنزيلُ ربّ الأرباب { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } أي نزل به أمين السماء جبريل عليه السلام { عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } أي أنزله على قلبك يا محمد لتحفظه وتُنذر بآياته المكذبين { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } أي بلسانٍ عربي فصيح هو لسان قريش، لئلا يبقى لهم عذر فيقولوا: ما فائدة كلامٍ لا نفهمه؟ قال ابن كثير: أنزلناه باللسان العربي الفصيح، الكامل الشامل، ليكون بيناً واضحاً، قاطعاً للعذر مقيماً للحجة، دليلاً إلى المحجة { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } أي وإِن ذكر القرآن وخبره لموجودٌ في كتب الأنبياء السابقين { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي أولم يكن لكفار مكة علامة على صحة القرآن { أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي أن يعلم ذلك علماء بني إسرائيل الذين يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم كعبد الله بن سلام وأمثاله { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } أي لو نزلنا هذا القرآن بنظمه الرائق المعجز على بعض الأعجمين الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } أي فقرأه على كفار مكة قراءة صحيحة فصيحة، وانضم إعجاز القرآن إلى إعجاز المقروء ما آمنوا بالقرآن لفرط عنادهم واستكبارهم { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي كذلك أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين، فسمعوا به وفهموه، وعرفوا فصاحته وبلاغته، وتحققوا من إعجازه ثم لم يؤمنوا به وجحدوه { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي لا يصدّقون بالقرآن مع ظهور إعجازه { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } أي حتى يشاهدوا عذاب الله المؤلم فيؤمنوا حيث لا ينفع الإِيمان { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } أي فيأتيهم عذاب الله فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي وهم لا يعلمون بمجيئه ولا يدرون { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } أي فيقولوا حين يفجأهم العذاب - تحسراً على ما فاتهم من الإِيمان وتمنياً للإمهال - هل نحن مؤخرون لنؤمن ونصدّق { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } إِنكارٌ وتوبيخ أي كيف يستعجل العذاب هؤلاء المشركون ويقولون{ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] وحالُهم عند نزول العذاب أنهم يطلبون الإِمهال والنظرة؟ { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } أي أخبرني يا محمد إن متعناهم سنين طويلة، مع وفور الصحة ورغد العيش { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي ثم جاءهم العذاب الذي وُعدوا به { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ }؟ أي ماذا ينفعهم حينئذٍ ما مضى من طول أعمارهم، وطيب معاشهم؟ هل ينفعهم ذلك النعيم في تخفيف الحزن، أو دفع العذاب؟ { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى، ولا أُمةً من الأمم { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } أي إلاّ بعدما ألزمناهم الحجة بإِرسال الرسل مبشرين ومنذرين { ذِكْرَىٰ } أي ليكون إهلاكهم تذكرةً وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي وما كنا ظالمين في تعذيبهم، لأننا أقمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.