الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }

المنَاسَبَة: هذه طائفة أخرى من جرائم اليهود، فقد نقضوا الميثاق حتى رفع جبلُ الطور عليهم وأمروا أن يأخذوا بما في التوراة، فأظهروا القبول والطاعة ثم عادوا إِلى الكفر والعصيان، فعبدوا العجل من دون الله، وزعموا أنهم أحباب الله، وأن الجنة خالصة لهم من دون الناس لا يدخلها أحد سواهم، وعادَوا الملائكة الأطهار وعلى رأسهم جبريل عليه السلام، وكفروا بالأنبياء والرسل، وهكذا شأنهم في سائر العصور والدهور.

اللغَة: { مِيثَاقَكُمْ } الميثاق: العهد المؤكد بيمين { ٱلطُّورَ } هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام { بِقُوَّةٍ } بعزمٍ وجدّ { أُشْرِبُواْ } أُشرب: سُقي أي جعلت قلوبهم تُشربه، يقال: أُشرب قلبُه حبَّ كذا قال زهير:
فصحوتُ عنْها بعد حبٍّ داخلٍ   والحب تُشربُه فؤادَك داءُ
{ خَالِصَةً } مصدر كالعافية والعاقبة بمعنى الخلوص أي خاصة بكم لا يشارككم فيها أحد { أَحْرَصَ } الحرص: شدة الرغبة في الشيء وفي الحديث " إحرص على ما ينفعك " { بِمُزَحْزِحِهِ } الزحزحة: الإبعادُ والتنحية قال تعالىفَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ } [آل عمران: 185] أي أُبعد وقال الشاعر:
خليليَّ ما بال الدُّجَى لا يُزَحْزحُ   وما بالُ ضوء الصبح لا يتوضّح
التفسِير: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين أَخذنا عليكم العهد المؤكد على العمل بما في التوراة، ورفعنا فوقكم جبل الطور قائلين { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } أي بعزمٍ وحزم وإلاّ طرحنا الجبل فوقكم { وَٱسْمَعُواْ } أي سماع طاعة وقبول { قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي سمعنا قولك، وعصينا أمرك { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } أي خالط حبُّه قلوبهم، وتغلغل في سويدائها والمراد أن حب عبادة العجل امتزج بدمائهم ودخل في قلوبهم، كما يدخل الصبغُ في الثوب، والماء في البدن { بِكُفْرِهِمْ } أي بسبب كفرهم { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ } أي قل لهم على سبيل التهكم بهم بئس هذا الإِيمان الذي يأمركم بعبادة العجل { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي إِن كنتم تزعمون الإِيمان فبئس هذا العمل والصنيع والمعنى: لستم بمؤمنين لأن الإِيمان لا يأمر بعبادة العجل { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ } أي قل لهم يا محمد إِن كانت الجنة لكم خاصة لا يشارككم في نعيمها أحد كما زعمتم { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي اشتاقوا الموت الذي يوصلكم إِلى الجنة، لأن نعيم هذه الحياة لا يساوي شيئاً إِذا قيس بنعيم الآخرة. ومن أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إِليها قال تعالى رادّاً عليهم تلك الدعوى الكاذبة { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي لن يتمنوا الموت ما عاشوا بسبب ما اجترحوه من الذنوب والآثام { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } أي عالم بظلمهم وإِجرامهم وسيجازيهم على ذلك { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي ولتجدنَّ اليهود أشدّ الناس حرصاً على الحياة، وأحرص من المشركين أنفسهم، وذلك لعلمهم بأنهم صائرون إِلى النار لإِجرامهم { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } أي وما طول العمر - مهما عمّر - بمبعده ومنجيه من عذاب الله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي مطّلع على أعمالهم فيجازيهم عليها { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } أي قل لهم يا محمد من كان عدواً لجبريل فإِنه عدو لله، لأن الله جعله واسطة بينه وبين رسله فمن عاداه فقد عادى الله { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي فإِن جبريل الأمين نزّل هذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر الله تعالى { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي وفيه الهداية الكاملة، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } أي من عادى الله وملائكته ورسله، وعادى على الوجه الأخص " جبريل وميكائيل " فهو كافر عدو لله { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } لأن الله يبغض من عادى أحداً من أوليائه، ومن عاداهم عاداه الله، ففيه الوعيد والتهديد الشديد.

السابقالتالي
2 3