الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى صفاتِ المؤمنين في الآيات السابقة، أعقبها بذكر صفات الكافرين، ليظهر الفارق الواضح بين الصنفين، على طريقة القرآن الكريم في المقارنة بين الأبرار والفجار، والتمييز بينَ أهل السعادة وأهل الشقاوة " وبضدها تتميز الأشياء ".

التفسِير: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي إِن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ } أي يتساوى عندهم { أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } أي سواءٌ أَحذرتهم يا محمد من عذاب الله وخوفتهم منه أم لم تحذرهم { لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدقون بما جئتهم به، فلا تطمع في إِيمانهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه له... ثم بيَّن تعالى العلة في سبب عدم الإِيمان فقال { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } أي طبع على قلوبهم فلا يدخل فيها نور، ولا يُشرق فيها إِيمان قال المفسرون: الختمُ التغطيةُ والطبعُ، وذلك أن القلوب إذا كثرت عليها الذنوب طمست نور البصيرة فيها، فلا يكون للإِيمان إِليها مسلكٌ، ولا للكفر عنها مخلص كما قال تعالى:بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } [النساء: 155] { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } أي وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون، لأن أسماعهم وأبصارهم كأنها مغطَّاة بحجب كثيفة، لذلك يرون الحقَّ فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه قال أبو حيان: شبَّه تعالى قلوبهم لتأبيها عن الحقِّ، وأسماعهم لإِضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغطَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، وذلك لأنها كانت - مع صحتها وقوة إِدراكها - ممنوعة عن قبول الخير وسماعه، وتلمح نوره، وهذا بطريق الاستعارة { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } أي ولهم في الآخِرة عذاب شديدٌ لا ينقطع، بسبب كفرهم وإِجرامهم وتكذيبهم بآيات الله.