الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تعدّد النعم على بني إِسرائيل، وهذه إِحدى النعم العظيمة عليهم حين كانوا في التيه، وعطشوا عطشاً شديداً كادوا يهلكون معه، فدعا موسى ربه أن يغيثهم فأوحى الله إِليه أن يضرب بعصاه الحجر، فتفجرت منه عيون بقدر قبائلهم، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة فجرى لكل منهم جدول خاص، يأخذون منه حاجتهم لا يشاركهم فيه غيرهم، وكان موضوع السقيا آية باهرة ومعجزة ظاهرة لسيدنا موسى عليه السلام ومع ذلك كفروا وجحدوا.

اللغَة: { ٱسْتَسْقَىٰ } طلب السقيا لقومه لأن السين والتاء للطلب مثل: استنصر واستخبر قال أبو حيان: الاستسقاء: طلب الماء عند عدمه أو قلته، ومفعوله محذوف أي استسقى موسى ربّه. { فَٱنفَجَرَتْ } الانفجار: الإِنشقاق ومنه سمي الفجر لانشقاق ضوئه، وانفجر وانبجس بمعنى واحد قال تعالىفَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ } [الأعراف: 160]، { مَّشْرَبَهُمْ } جهة وموضع الشرب { تَعْثَوْاْ } العيث: شدة الفساد، قال: عَثِيَ يعثَى: وعثَا يعثو إِذا أفسد فهو عاثٍ، قال الطبري: معناه تطغوا وأصله شدة الإِفساد { فُومِهَا } الفوم: الثوم وقيل: الحنطة { أَتَسْتَبْدِلُونَ } الاستبدال: ترك شيء لآخر وأخذ غيره مكانه { أَدْنَىٰ } أخسَّ وأحقر يقال رجل دنيء إِذا كان يتتبع الخسائس { ٱلذِّلَّةُ } الذل والهوان والحقارة { وَٱلْمَسْكَنَةُ } الفاقة والخشوع مأخوذة من السكون لأن المسكين قليل الحركة لما به من الفقر { بَآءُو } رجعوا وانصرفوا قال الرازي: ولا يقال باء إِلا بشرّ { يَعْتَدُونَ } الإِعتداء: تجاوز الحد في كل شيء واشتهر في الظلم والمعاصي.

التفسِير: { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين طلب موسى السقيا لقومه وقد عطشوا في التيه { فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } أي اضرب أيّ حجر كان تتفجر بقدرتنا العيون منه { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } أي فضرب فتدفق الماء منه بقوة وخرجت منه اثنتا عشرة عيناً بقدر قبائلهم { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } أي علمت كل قبيلة مكان شربها لئلا يتنازعوا { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } أي قلنا لهم: كلوا من المنّ والسلوى، واشربوا من هذا الماء، من غير كدّ منكم ولا تعب، بل هو من خالص إِنعام الله { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي ولا تطغوا في الأرض بأنواع البغي والفساد. { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قلتم لنبيكم موسى وأنتم في الصحراء تأكلون من المنّ والسلوى { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } أي على نوع واحدٍ من الطعام وهو المنُّ والسلوى { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ } أي ادع الله أن يرزقنا غير ذلك الطعام فقد سئمنا المنَّ والسلوى وكرهناه ونريد ما تخرجه الأرض من الحبوب والبقول { مِن بَقْلِهَا } من خضرتها كالنعناع والكرفس والكراث { وَقِثَّآئِهَا } يعني القتَّة التي تشبه الخيار { وَفُومِهَا } أي الثوم { وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } أي العدس والبصل المعروفان { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } أي قال لهم موسى منكراً عليهم: ويحكم أتستبدلون الخسيس بالنفيس! وتفضلون البصل والبقل والثوم على المنّ والسلوى؟ { ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } أي ادخلوا مصراً من الأمصار وبلداً من البلدان أيّاً كان لتجدوا فيه مثل هذه الأشياء.

السابقالتالي
2 3