الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } * { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

اللغَة: { بِٱلْبِرِّ } البِرُّ: سعة الخير والمعروف ومنه البرُّ والبِّرية للسعة، وهو اسم جامع لأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وفي الحديث " البِرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى " { وَتَنْسَوْنَ }: تتركون والنسيان يأتي بمعنى الترك كقولهنَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67] وهو المراد هنا ويأتي بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة كقولهفَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] { تَتْلُونَ }: تقرءون وتدرسون { ٱلْخَاشِعِينَ } الخاشع: المتواضع وأصله من الاستكانة والذل قال الزجاج: الخاشع الذي يُرى أثر الذل والخشوع عليه، وخشعت الأصوات: سكنت { يَظُنُّونَ } الظنُّ هنا بمعنى اليقين لا الشك، وهو من الأضداد قال أبو عبيدة: العرب تقول لليقين ظنٌّ، وللشك ظن وقد كثر استعمال الظن بمعنى اليقين ومنهإِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقة: 20]فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [الكهف: 53]، { شَفَاعَةٌ } الشفاعة مأخوذة من الشَّفع ضد الوتر، وهي ضم غيرك إِلى جاهك ووسيلتك ولهذا سميت شفاعة، فهي إِذاً إِظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفّع { عَدْلٌ } بفتح العين فداء وبكسرها معناه: المِثْل يقال: عِدْل وعديل للذي يماثلك.

المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل، وفي هذه الآيات ذمٌ وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون الناس إِلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه.

سَبَبُ النّزول: نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا: اثبتوا على دين محمد فإِنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه.

التفسِير: يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإِيمان بمحمد { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } أي حال كونكم تقرءون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه السلام { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه؟! ثم بيَّن لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال { وَٱسْتَعِينُواْ } أي اطلبوا المعونة على أموركم كلها { بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي بتحمل ما يشق على النفس من تكاليف شرعية، وبالصلاة التي هي عماد الدين { وَإِنَّهَا } أي الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي شاقة وثقيلة { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } أي المتواضعين المستكينين الذين صفت نفوسهم لله { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي يعتقدون اعتقاداً جازماً لا يخالجه شك { أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } أي سيلقون ربهم يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي معادهم إِليه يوم الدين. ثم ذكّرهم تعالى بنعمه وآلائه العديدة مرة أخرى فقال { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } بالشكر عليها بطاعتي { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ } أي فضلت آباءكم { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي عالمي زمانهم بإِرسال الرسل، وإِنزال الكتب، وجعلهم سادة وملوكاً، وتفضيل الآباء شرفٌ للأبناء { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي خافوا ذلك اليوم الرهيب الذي لا تقضي فيه نفسٌ عن أخرى شيئاً من الحقوق { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } أي لا تقبل شفاعة في نفس كافرة بالله أبداً { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي لا يقبل منها فداء { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي ليس لهم من يمنعهم وينجيهم من عذاب الله.

السابقالتالي
2