الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

المنَاسَبَة: أشارت الآيات السابقة إِلى أن الله تعالى خصّ آدم عليه السلام بالخلافة، كما خصّه بعلم غزير وقفت الملائكة عاجزة عنه، وأضافت هذه الآيات الكريمة بيان نوع آخر من التكريم أكرمه الله به ألا وهو أمر الملائكة بالسجود له، وذلك من أظهر وجوه التشريف والتكريم لهذا النوع الإِنساني ممثلاً في أصل البشرية آدم عليه السلام.

اللغَة: { ٱسْجُدُواْ } أصل السجود: الانحناء لمن يُسجد له والتعظيم، وهو في اللغة: التذلل والخضوع، وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض { إِبْلِيسَ } اسم للشيطان وهو أعجمي، وقيل إِنه مشتق من الإِبلاس وهو الإِياس { أَبَىٰ } امتنع، والإِباء: الامتناع مع التمكن من الفعل { وَٱسْتَكْبَرَ } الاستكبار: التكبر والتعاظم في النفس { رَغَداً } واسعاً كثيراً لا عناء فيه، والرغد: سعة العيش، يقال: رغد عيش القوم إِذا كانوا في رزقٍ واسع قال الشاعر:
بينما المرء تراه ناعماً   يأمن الأحداث في عيشٍ رغد
{ فَأَزَلَّهُمَا } أصله من الزلل وهو عثور القدم يقال: زلت قدمه أي زلقت ثم استعمل في ارتكاب الخطيئة مجازاً يقال: زلّ الرجل إِذا أخطأ وأتى ما ليس له إِتيانه، وأزله غيره: إِذا سبّب له ذلك { مُسْتَقَرٌّ } موضع استقرار { وَمَتَاعٌ } المتاع ما يتمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوه { فَتَلَقَّىٰ } التلقي في الأصل: الاستقبال تقول خرجنا نتلقى الحجيج أي نستقبلهم، ثم استعمل في أخذ الشيء وقبوله تقول: تلقيت رسالة من فلان أي أخذتها وقبلتها { فَتَابَ } التوبة في أصل اللغة الرجوع، وإِذا عديت بعن كان معناها الرجوع عن المعصية، وإِذا عديت بعلى كان معناها قبول التوبة.

التفسِير: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ } أي اذكر يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } أي سجدوا جميعاً له غير إبليس { أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } أي امتنع مما أمر به وتكبر عنه { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } أي اسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } أي كلا من ثمار الجنة أكلاً رغداً واسعاً { حَيْثُ شِئْتُمَا } أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } أي لا تأكلا من هذه الشجرة قال ابن عباس: هي الكرمة { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } أي فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } أي أوقعهما في الزلة بسببها وأغواهما بالأكل منها هذا إِذا كان الضمير عائداً إِلى الشجرة، أما إِذا كان عائداً إِلى الجنة فيكون المعنى أبعدهما وحوّلهما من الجنة { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من نعيم الجنة { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ } أي اهبطوا من الجنة إِلى الأرض والخطاب لآدم وحواء وإِبليس { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } أي الشيطان عدوٌ لكم فكونوا أعداء له كقوله

السابقالتالي
2 3