الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

المنَاسَبَة: ذكر تعالى في الآيات السابقة بعض الأمراض الاجتماعية التي تنخر جسم الأمّة وتحلُّ عرى الجماعة وتوقع بينهم العداوة والبغضاء كالخمر والميسر، ثم انتقل إلى الحديث عن الأسرة باعتبار أنها النواة الأولى لبناء المجتمع الفاضل، فبصلاح الأسرة يصلح المجتمع وبفسادها يفسد المجتمع، وابتدأ من أحكام الأسرة بالعلاقة الزوجية ونبّه على ضرورة أن يكون الاختيار على أساس الدّين لتظل العلاقة موثقة بروابط المودة والرحمة والإِخلاص، فالمشركة لا يحل لها أن تكون في حجر المسلم، والمؤمنة لا يحل لها أن تكون تحت سلطان الرجل المشرك ولهذا حرّم الإِسلام الزواج بالمشركات وتزويج المشركين بالمؤمنات، ثم بيّن في هذه الآيات الكريمة بعض الأمراض التي تحل بالأسرة وتهدد كيانها فذكر منها الإِيلاء، والطلاق، والخلع وبيّن العلاج الناجع لمثل هذه المشاكل التي تقوّض بنيان الأسرة.

اللغَة: { يُؤْلُونَ } الإِيلاء لغة: الحلف يقال: آلى يؤالي إِيلاءً قال الشاعر:
فآليت لا أنفك أحدو قصيدةً   تكون وإِياها بها مثلاً بعدي
وفي الشرع: اليمين على ترك وطء الزوجة. { تَرَبُّصُ } التربص: الانتظار ومنهقُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [الطور: 31] أي انتظروا. { فَآءُو } الفيء: الرجوع ومنه قيل للظلّ فيءٌ لأنه يرجع بعد أن تقلّص قال الفراء: العرب تقول فلان سريع الفيء أي سريع الرجوع بعد الغضب قال الشاعر:
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له   ومن حاجة الإِنسان ما ليس قاضيا
{ قُرُوۤءٍ } جمع قرء اسم يقع على الحيض والطهر فهو من الأضداد وأصل القرء: الاجتماع سمي به الحيض لاجتماع الدم في الرحم قال في القاموس: القَرْءُ بالفتح ويضم: الحيضُ والطهرُ والوقت، وجمع الطهر قروءٌ، وجمع الحيض أقراءٌ. { بُعُولَتُهُنَّ } جمع بعل ومعناه الزوج.وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72] والمرأة بعلة. { دَرَجَةٌ } الدرجة: المنزلة الرفيعة. { ٱلطَّلاَقُ } مصدر طلقتُ المرأة ومعنى الطلاق: حلُّ عقد النكاح وأصله الانطلاق والتخلية يقال: ناقة طالق أي مهملة تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي، فسميت المرأة المخلَّى سبيلها طالقاً لهذا المعنى. { تَسْرِيحٌ } التسريح: إِرسال الشيء ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض، وسرَّح الماشية أرسلها، قال الراغب: والتسريح في الطلاق مستعارٌ من تسريح الإِبل كالطلاق مستعار من إِطلاق الإِبل.

سَبَبُ النّزول: كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء من الطلاق ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها ولو طلقها ألف مرة كان له الحق في مراجعتها، فعمد رجل لامرأته فقال لها: لا آويك ولا أدعك تحلّين قالت: وكيف؟ قال أطلّقك فإِذا دنا مضِيُّ عدتك راجعتك، فشكت المرأة أمرها للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ.. } الآية.

التفسِير: { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } أي للذين يحلفون ألاّ يجامعوا نساءهم للإِضرار بهن انتظار أربعة أشهر { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي إِن رجعوا إِلى عشرة أزواجهن بالمعروف - وهو كناية عن الجماع - أي رجعوا عن اليمين إِلى الوطء فإِن الله يغفر ما صدر منهم من إِساءة ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي وإِن صمّموا على عدم المعاشرة والامتناع عن الوطء فإِن الله سميعٌ لأقوالهم عليم بنيّاتهم، والمراد من الآية أنّ الزوج إِذا حلف ألا يقرب زوجته تنتظره الزوجة مدة أربعة أشهر فإِن عاشرها في المدة فبها ونعمت ويكون قد حنث في يمينه وعليه الكفارة، وإِن لم يعاشرها وقعت الفرقة والطلاق بمضي تلك المدة عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: ترفع أمره إِلى الحاكم فيأمره إِما بالفيئة أو الطلاق فإِن امتنع عنهما طلّق عليه الحاكم هذا هو خلاصة حكم الإِيلاء.

السابقالتالي
2 3 4