الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } * { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

المنَاسَبَة: ذكر سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن الناس فريقان: فريق يسعى في الأرض فساداً ويُضل الناس بخلابة لسانه وقوة بيانه، وفريق باع نفسه للحق يبتغي به رضى الله ولا يرجو أحداً سواه، ولما كان لا بدّ من التنازع بين الخير والشر - ولا بدَّ للحق من سيفٍ مصلتٍ إلى جانبه - لذا شرع الله للمؤمنين أن يحملوا السيف مناضلين وشرع الجهاد دفعاً للعدوان وردعاً للظلم والطغيان.

اللغَة: { بَغْياً } البغيُ: العدوان والطغيان. { وَزُلْزِلُواْ } مأخوذ من زلزلة الأرض وهو اضطرابها والزلزلة: التحريك الشديد. { كُرْهٌ } مكروهٌ تكرهه نفوسكم قال ابن قتيبة: الكرهُ بالضم المشقة وبالفتح الإِكراه والقهر. { صَدٌّ } الصدُّ: المنع يقال: صدّه عن الشيء أي منعه عنه. { يَرْتَدِد } يرجع والردةُ الرجوع من الإِيمان إلى الكفر قال الراغب: الارتداد والردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردَّة تختص بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره قال تعالى:فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } [الكهف: 64] { حَبِطَتْ } بطلت وذهبت قال في اللسان: حبط عمل عملاً ثم أفسده وفي التنزيلفَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 9] أي أبطل ثوابهم. { يَرْجُونَ } الرجاء: الأمل والطمع في حصول ما فيه نفعٌ ومصلحة.

سَبَبُ النّزول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش على سرية ليترصدوا عيراً لقريش فيها " عمرو بن الحضرمي " وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيها من تجارة، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف ويتفرق فيه الناس إِلى معايشهم وعظم ذلك على المسلمين فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ.... } الآية.

التفسير: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي كانوا على الإِيمان والفطرة المستقيمة فاختلفوا وتنازعوا { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } أي بعث الله الأنبياء لهداية الناس مبشرين للمؤمنين بجنات النعيم ومنذرين للكافرين بعذاب الجحيم { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي وأنزل معهم الكتب السماوية لهداية البشرية حال كونها منزلة بين الناس في أمر الدين الذي اختلفوا فيه { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي وما اختلف في الكتاب الهادي المنير المنزل لإِزالة الاختلاف إلا الذين أعطوا الكتاب أي إنهم عكسوا الأمر حيث جعلوا ما أُنزل لإِزالة الاختلاف سبباً لاستحكامه ورسوخه { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي من بعد ظهور الحجج الواضحة والدلائل القاطعة على صدق الكتاب فقد كان خلافهم عن بيّنة وعلم لا عن غفلةٍ وجهل { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي حسداً من الكافرين للمؤمنين { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } أي هدى الله المؤمنين للحق الذي اختلف فيه أهل الضلالة بتيسيره ولطفه { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي يهدي من يشاء هدايته إِلى طريق الحق الموصل إِلى جنات النعيم { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } أي بل ظننتم يا معشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة بدون ابتلاءٍ وامتحان واختبار { وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } أي والحال لم ينلكم مثل ما نال من سبقكم من المؤمنين من المحن الشديدة، ولم تُبتلوا بمثل ما ابتلوا به من النكبات { مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } أي أصابتهم الشدائد والمصائب والنوائب { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ }؟ أي أزعجوا إزعاجاً شديداً شبيهاً بالزلزلة حتى وصل بهم الحال أن يقول الرسول والمؤمنون معه متى نصر الله؟ أي متى يأتي نصر الله وذلك استبطاءً منهم للنصر لتناهي الشدة عليهم، وهذا غاية الغايات في تصوير شدة المحنة، فإِذا كان الرسل - مع علو كعبهم في الصبر والثبات - قد عيل صبرهم وبلغوا هذا المبلغ من الضجر والضيق كان ذلك دليلاً على أن الشدة بلغت منتهاها قال تعالى جواباً لهم: { أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } أي ألا فأبشروا بالنصر فإنه قد حان أوانه

السابقالتالي
2 3 4