الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

المنَاسَبَة: لمّا ذكر تعالى في الآيات السابقة العبادات التي تُطهّر القلوب، وتزكّي النفوس كالصيام، والصدقة، والحج، وذكر أن من الناس من يطلب الدنيا ولا غاية له وراءها، ومنهم من تكون غايته نيل رضوان الله تبارك وتعالى، أعقبها بذكر نموذج عن الفريقين: فريق الضلالة الذي باع نفسه للشيطان، وفريق الهدى الذي باع نفسه للرحمن، ثم حذَّر تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، وبيَّن لنا عداوته الشديدة.

اللغَة: { أَلَدُّ } اللَّدَدُ: شدة الخصومة قال الطبري: الألدُّ: الشديد الخصومة وفي الحديث: " إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلى الله الألدُّ الخَصِم " { ٱلْحَرْثَ }: الزرع لأنه يزرع ثم يحرث. { ٱلنَّسْلَ } الذريّة والولد، وأصله الخروج بسرعة ومنهإِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] وسمي نسلاً لأنه ينسل - يسقط - من بطن أمه بسرعة. { ٱلْعِزَّةُ } الأنفة والحميَّة. { حَسْبُهُ } حسب اسم فعل بمعنى كافيه. { ٱلْمِهَادُ }: الفراش الممهَّد للنوم. { يَشْرِي }: يبيع. { ٱبْتِغَآءَ } طلب. { ٱلسِّلْمِ } بكسر السين بمعنى الإِسلام وبفتحها بمعنى الصلح، وأصله من الاستسلام وهو الخضوع والانقياد قال الشاعر:
دَعَوْتُ عشيرتي للسِّلْمِ حتى   رأيْتهُم تَوَلَّوْا مُدْبرينا
{ زَلَلْتُمْ } الزّلل: الانحراف عن الطريق المستقيم وأصله في القدم ثم استعمل في الأمور المعنوية. { ظُلَلٍ } جمع ظلّة وهي ما يستر الشمس ويحجب أشعتها عن الرؤية.

سَبَبُ النّزول: 1- روي أن الأخنس بن شريق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر له الإسلام وحلف أنه يحبه، وكان منافقاً حسن العلانية خبيث الباطن، ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ بزرع لقوم من المسلمين وحُمُر فأحرق الزرع وقتل الحُمُر فأنزل الله تعالى فيه الآيات { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ... } الآية وإلى قوله: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ... } الآية.

2- وروي أن صهيباً الرومي لما أراد الهجرة إِلى المدينة المنورة لحقه نفر من قريش من المشركين ليردوه فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيْمُ الله لا تصلون إِليَّ حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم، قالوا: جئتنا صعلوكاً لا تملك شيئاً وأنت الآن ذو مال كثير!! فقال: أرأيتم إن دللتكم على مالي تخلّون سبيلي؟ قالوا: نعم، فدلّهم على ماله بمكة فلما قدم المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: " رَبَحَ البَيْعَ صُهَيْبٌ رَبَحَ البَيْعَ صُهَيُبٌ " وأنزل الله عز وجل فيه { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ... } الآية.

التفسير: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ } أي ومن الناس فريق يروقك كلامه يا محمد ويثير إِعجابَك بخلابة لسانه وقوة بيانه، ولكنه منافق كذّاب { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي في هذه الحياة فقط أما الآخرة فالحاكم فيها علاّم الغيوب الذي يطّلع على القلوب والسرائر { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } أي يظهر لك الإِيمان ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي شديد الخصومة يجادل بالباطل ويتظاهر بالدين والصلاح بكلامه المعسول { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } أي وإذا انصرف عنك عاث في الأرض فساداً، وقد نزلت في الأخنس ولكنها عامة في كل منافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه [كقوله]:

السابقالتالي
2 3 4