الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

المنَاسَبَة: لمّا ذكر الله تعالى في الآيات السابقة أحكام الصيام، أعقب ذلك بذكر أحكام الحج لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام، وأمّا آيات القتال فقد ذكرت عَرضاً لبيان حكمٍ هام وهو بيان الأشهر الحرم والقتال فيها وفيما لو تعرّض المشركون للمؤمنين وهم في حالة الإِحرام هل يباح لهم ردُّ العدوان عن أنفسهم والقتال في الأشهر الحرم؟ فقد وردت الآيات السابقة تبيّن حكمة الأهلة وأنها مواقيت للصيام والحج ثم بيَّنت الآيات بعدها موقف المسلمين من القتال في الشهر الحرام وذلك حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة وصدّه المشركون ومنعوه من دخول مكة ووقع صلح الحديبية ثم لمّا أراد القضاء في العام القابل وخشي أصحابه غدر المشركين بهم وهم في حالة الإِحرام نزلت الآيات تبيّن أنه ليس لهم أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء بل على سبيل القصاص ودفع العدوان، ثم عاد الكلام إِلى أحكام الحج وحكم الإِحصار فيه فهذا هو الإِرتباط بين الآيات السابقة واللاحقة.

اللغَة: { أُحْصِرْتُمْ } الإِحصار: معناه المنع والحبس يقال حَصرَه عن السفر وأحصره إِذا حبسه ومنعه قال الأزهري: حُصر الرجلُ في الحبس، وأُحصر في السفر من مرضٍ أو انقطاعٍ به { ٱلْهَدْيُ } هو ما يُهدى إِلى بيت الله من أنواع النعم كالإِبل والبقر والغنم وأقله شاة { مَحِلَّهُ } المحِلُّ: الموضع الذي يحل به نحر الهَدْي وهو الحرم أو مكان الإِحصار للمحْصَر { النُّسك } جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى { جُنَاحٌ } إِثم وأصله من الجنوح وهو الميل عن القصد { أَفَضْتُم } أي دفعتم وأصله من فاض الماء إِذا سال منصباً ومعنى { أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ } أي دفعتم منها بقوة تشبيهاً بفيض الماء. { خَلاَقٍ } نصيب من رحمة الله تعالى { تُحْشَرُونَ } تجمعون للحساب.

سبب النزول: أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون فإِذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ }.

ثانياً: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحُمْس وسائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإِسلام أمر الله تعالى نبيّه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، وكانت قريش تفيض من جمع من المشعر الحرام فأنزل الله تعالى { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاس }.

التفسِير: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } أي أدوهما تامين بأركانهما وشروطهما لوجه الله تعالى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } أي إذا منعتم عن إتمام الحج أو العمرة بمرضٍ أو عدوٍ وأردتم التحلل فعليكم أن تذبحوا ما تيسر من بدنة أو بقرةٍ أو شاة { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } أي لا تتحللوا من إحرامكم بالحلق أو التقصير حتى يصل الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه وهو الحرم أو مكان الإِحصار { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } أي فمن كان منكم معشر المحرمين مريضاً مرضاً يتضرر معه بالشعر فحلق، أو كان به أذى من رأسه كقملٍ وصداعٍ فحلق في الإِحرام، فعليه فدية وهي إما صيام ثلاثة أيام أو يتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين أو يذبح ذبيحة وأقلها شاة { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } أي كنتم آمنين من أول الأمر، أو صرتم بعد الإِحصار آمنين { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } أي من اعتمر في أشهر الحج واستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطيب والنساء وغيرها، فعليه ما تيسّر من الهدي وهو شاة يذبحها شكراً لله تعالى { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } أي من لم يجد ثمن الهدي فعليه صيام عشرة أيام، ثلاثة حين يحرم بالحج وسبعة إِذا رجع إلى وطنه { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } أي عشرة أيام كاملة تجزئ عن الذبح، وثوابها كثوابه من غير نقصان { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي ذلك التمتع أو الهَدْي خاص بغير أهل الحرم، أما سكّان الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدي { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي خافوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه واعلموا أن عقابه شديد لمن خالف أمره.

السابقالتالي
2 3