الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

المنَاسَبَة: من هنا بداية النصف الثاني من السورة الكريمة على وجه التقريب، ونصف السورة السابق كان متعلقاً بأصول الدين وبقبائح بني إِسرائيل، وهذا النصف غالبه متعلق بالأحكام التشريعية الفرعية، ووجه المناسبة أنه تعالى ذكر في الآية السابقة أنّ أهل الكتاب اختلفوا في دينهم اختلافاً كبيراً صاروا بسببه في شقاق بعيد، ومن أسباب شقاقهم أمر القبلة إِذ أكثروا الخوض فيه وأنكروا على المسلمين التحول إِلى استقبال الكعبة، وادّعى كلٌ من الفريقين - اليهود والنصارى - أن الهدى مقصور على قبلته، فردّ الله عليهم بين أن العبادة الحقة وعمل البرّ ليس بتوجه الإِنسان جهة المشرق والمغرب، ولكن بطاعة الله وامتثال أوامره وبالإِيمان الصادق الراسخ.

اللغَة: { ٱلْبِرَّ } اسم جامع للطاعات وأعمال الخير { ٱلرِّقَابِ } جمع رقبة وهي في الأصل العُنقُ، وتطلق على البدن كله كما تطلق العين على الجاسوس والمراد في الآية الأسرى والأرقاء { ٱلْبَأْسَآءِ } الفقر { ٱلضَّرَّاءِ } السُّقم والوجع { ٱلْبَأْسِ } القتال وأصل البأس في اللغة: الشدّة { كُتِبَ } فرض { ٱلْقِصَاصُ } العقوبة بالمثل من قتل أو جرح مأخوذ من القصّ وهو تتبع الأثروَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } [القصص: 11] أي اتبعى أثره { ٱلْقَتْلَى } جمع قتيل يستوي فيه المذكر والمؤنث يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل { ٱلأَلْبَابِ } العقول جمع لب مأخوذ من لبّ النخلة { إِثْماً } الإِثم: الذنب { جَنَفاً } الجنف: العدول عن الحق على وجه الخطأ.

سَبَبُ النّزول: عن قتادة أن أهل الجاهلية كان فيهم بغيٌ وطاعةٌ للشيطان، وكان الحيُّ منهم إِذا كان فيهم منعة فقتل عبدُهم عبد آخرين قالوا لن نقتل به إِلا حراً، وإِذا قتلت امرأةٌ منهم امرأةً من آخرين قالوا لن نقتل بها إِلا رجلاً فأنزل الله { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ }.

التفسِير: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } أي ليس فعلُ الخير وعملُ الصالح محصوراً في أن يتوجه الإِنسان في صلاته جهة المشرق أو المغرب { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي ولكنَّ البِرَّ الصحيح هو الإِيمان بالله واليوم الآخر { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ } أي وأن يؤمن بالملائكة والكتب والرسل { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي أعطى المال على محبته له ذوي قرابته فهم أولى بالمعروف { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي وأعطى المال أيضاً لليتامى الذين فقدوا آباءهم والمساكين الذين لا مال لهم، وابن السبيل المسافر المنقطع عن ماله { وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ } أي الذين يسألون المعونة بدافع الحاجة وفي تخليص الأسرى والأرقاء بالفداء { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } أي وأتى بأهم أركان الإِسلام وهما الصلاة والزكاة { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } أي ومن يوفون بالعهود ولا يخلفون الوعود { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } أي الصابرين على الشدائد وحين القتال في سبيل الله وهو منصوب على المدح { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } أي أهل هذه الأوصاف هم الذين صدقوا في إِيمانهم وأولئك هم الكاملون في التقوى، وفي الآية ثناء على الأبرار وإِيحاء إِلى ما يلاقونه من اطمئنان وخيراتٍ حسان.

السابقالتالي
2 3