الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } * { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

المنَاسَبَة: بدأت الآيات الكريمة بمخاطبة المؤمنين، وتذكيرهم بنعمة الله العظمى عليهم، ببعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن بني إِسرائيل، وذكرت بالتفصيل نعم الله عليهم التي قابلوها بالجحود والكفران فيما يزيد على ثلث السورة الكريمة، وقد عدّد القرآن الكريم جرائمهم ليعتبر ويتعظ بها المؤمنون، ولما انتهى الحديث عن اليهود بعد ذلك البيان الواضح جاء دور التذكير للمؤمنين بالنعم الجليلة والتشريعات الحكيمة التي بها سعادتهم في الدارين.

اللغَة: { ٱلْكِتَابَ } القرآن العظيم { ٱلْحِكْمَةَ } السنّة النبوية { فَٱذْكُرُونِيۤ } أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور، وسُمّي الذكر باللسان ذكراً لأنه علامة على الذكر القلبي { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } أصل البلاء المحنة، ثم قد يكون بالخير أو بالشروَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْر فِتْنَةً } [الأنبياء: 35] { مُّصِيبَةٌ } المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده { صَلَوَاتٌ } الأصل في الصلاة الدعاء وهي من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار.

التفسِير: { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } الكلام متعلق بما سبق في قولهوَلأُتِمَّ نِعْمَتِي } [البقرة: 150] والمعنى كما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } أي يقرأ عليكم القرآن { وَيُزَكِّيكُمْ } أي يطهركم من الشرك وقبيح الفعال { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي يعلمكم أحكام الكتاب المجيد، والسنة النبوية المطهرة { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي يعلمكم من أمور الدنيا والدين الشيء الكثير الذي لم تكونوا تعلمونه { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي اذكروني بالعبادة والطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } أي اشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان، روي أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: " تذكرني ولا تنساني، فإِذا ذكرتني فقد شكرتني، وإِذا نسيتني فقد كفرتني " ثم نادى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بلفظ الإِيمان ليستنهض هممهم إِلى امتثال الأوامر الإِلهية، وهو النداء الثاني الذي جاء في هذه السورة الكريمة فقال { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنتهون عن كل رذيلة { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } أي لا تقولوا للشهداء إنهم أموات { بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون ولكن لا تشعرون بذلك لأنهم في حياةٍ برزخية أسمى من هذه الحياة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } أي ولنختبرنكم بشيءٍ يسير من ألوان البلاء مثل الخوف والجوع، وذهاب بعض الأموال، وموت بعض الأحباب، وضياع بعض الزروع والثمار { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } أي بشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم ثم بيّن تعالى تعريف الصابرين بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد لله يفعل بهم ما يشاء { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إِلى طريق السعادة.

السابقالتالي
2