الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } * { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } * { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أن ملة إِبراهيم هي ملة الحنيفية السمحة، وأن من لم يؤمن بها ورغب عنها فقد بلغ الذروة العليا في الجهالة والسفاهة، ذكر تعالى ما عليه أهل الكتاب من الدعاوى الباطلة من زعمهم أن الهداية في اتباع اليهودية والنصرانية، وبيّن أن تلك الدعوى لم تكن عن دليل أو شبهة بل هي مجرد جحود وعناد، ثم عقب ذلك بأن الدين الحق هو في التمسك بالإِسلام، دين جميع الأنبياء والمرسلين.

اللغَة: { حَنِيفاً } الحنيف: المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق، والحنفُ الميل وبه سمي الأحنف لميلٍ في إِحدى قدميه قال الشاعر:
ولكنّا خُلقنا إِذ خُلقنا   حنيفاً دينُنا عن كل دين
{ الأَسْبَاطَ } جمع سِبْط وهم حفدةُ يعقوب أي ذريات أبنائه وكانوا اثني عشر سبطاً وهم في بني إِسرائيل كالقبائل في العرب { شِقَاقٍ } الشقاق: المخالفة والعداوة وأصله من الشق وهو الجانب أي صار هذا في شق وهذا في شق { فَسَيَكْفِيكَهُمُ } من الكفاية بمعنى الوقاية { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } الصبغة مأخوذة من الصَّبْغ وهو تغيير الشيء بلونٍ من الألوان والمراد بها الدِّينُ { أَتُحَآجُّونَنَا } أتجادلوننا من المحاجّة وهي المجادلة { مُخْلِصُونَ } الإِخلاص أن يقصد بالعمل وجه الله وحده.

التفسِير: { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } أي قال اليهود كونوا على ملتنا يهوداً تهتدوا وقال النصارى كونوا نصارى تهتدوا فكلٌ من الفريقين يدعو إِلى دينه المعوج { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي قل لهم يا محمد بل نتّبع ملة الحنيفية السمحة وهي ملة إِبراهيم حال كونه مائلاً عن الأديان كلها إِلى الدين القيم وما كان إِبراهيم من المشركين بل كان مؤمناً موحّداً وفيه تعريض بأهل الكتاب وإِيذان بأنَّ ما هم عليه إِنما هو شرك وضلال. { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } أي قولوا أيها المؤمنون آمنا بالله وما أنزل إِلينا من القرآن العظيم { وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } أي وآمنا بما أنزل إِلى إِبراهيم من الصحف والأحكام التي كان الأنبياء متعبدين بها وكذلك حفدة إِبراهيم وإِسحاق وهم الأسباط حيث كانت النبوة فيهم { وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي من التوراة والإِنجيل { وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } أي ونؤمن بما أنزل على غيرهم من الأنبياء جميعاً ونصدّق بما جاءوا به من عند الله من الآيات البينات والمعجزات الباهرات { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما فعلت اليهود والنصارى { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } أي إِن آمن أهل الكتاب بنفس ما آمنتم به معشر المؤمنين فقد اهتدوا إِلى الحق كما اهتديتم { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } أي وإِن أعرضوا عن الإِيمان بما دعوتهم إِليه فاعلم أنهم إِنما يريدون عداوتك وخلافك، وليسوا من طلب الحق في شيء { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } أي سيكفيك يا محمد شرهم وأذاهم ويعصمك منهم { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي هو تعالى يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرونه في قلوبهم من المكر والشر { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } أي ما نحن عليه من الإِيمان هو دين الله الذي صبغنا به وفطرنا عليه فظهر أثره علينا كما يظهر الصبغ في الثوب، ولا أحد أحسن من الله صبغةً أي ديناً { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } أي ونحن نعبده جلّ وعلا ولا نعبد أحداً سواه { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } أي أتجادلوننا في شأن الله زاعمين أنكم أبناء الله وأحباؤه، وأن الأنبياء منكم دون غيركم؟ { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي ربُّ الجميع على السواء وكلُّنا عبيده { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم لا يتحمل أحد وزر غيره { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } أي قد أخلصنا الدين والعمل لله { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ }؟ أي أم تدّعون يا معشر أهل الكتاب أن هؤلاء الرسل وأحفادهم كانوا يهوداً أو نصارى { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } أي هل أنتم أعلم بديانتهم أم الله؟ وقد شهد الله لهم بملة الإسلام وبرأهم من اليهودية والنصرانية

السابقالتالي
2 3