الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

المنَاسَبَة: بعد أن ذكر الله تعالى في الآيات السابقة نعمه على بني إِسرائيل، وبيّن كيف كانوا يقابلون النعم بالكفر والعناد، ويأتون منكرات في الأقوال والأعمال، وصل حديثهم بقصة إبراهيم أبي الأنبياء الذي يزعم اليهود والنصارى انتماءهم إِليه ويقرون بفضله، ولو كانوا صادقين لوجب عليهم اتباع هذا النبي الكريم " محمد " صلى الله عليه وسلم ودخولهم في دينه القويم لأنه أثر دعوة إبراهيم الخليل حين دعا لأهل الحرم، ثم هو من ولد اسماعيل عليه السلام فكان أولى بالاتباع والتمسك بشريعته الحنيفية السمحة التي هي شريعة الخليل عليه السلام.

اللغَة: { ٱبْتَلَىٰ } امتحن والابتلاء: الاختبار { فَأَتَمَّهُنَّ } أتى بهن على التمام والكمال { إِمَاماً } الإِمام: القدوة الذي يؤتم به في الأقوال والأفعال { مَثَابَةً } مرجعاً من ثاب يثوب إِذا رجع أي أنهم يترددون إِليه لا يقضون منه وطرهم قال الشاعر:
جُعلَ البيتُ مثاباً لهُمُ   ليس منه الدهرَ يقضون الوطر
{ وَأَمْناً } الأمن: السلامة من الخوف والطمأنينة في النفس والأهل { وَعَهِدْنَآ } أمرنا وأوحينا { لِلطَّائِفِينَ } جمع طائف من الطواف وهو الدوران حول الشيء { وَٱلْعَاكِفِينَ } جمع عاكف من العكوف وهي الإِقامة على الشيء والملازمة له والمراد المقيمون في الحرم بقصد العبادة { فَأُمَتِّعُهُ } من التمتيع وهو إِعطاء الإِنسان ما ينتفع بهقُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } [إبراهيم: 30] { ٱلْقَوَاعِدَ } جمع قاعدة وهي الأساس { مَنَاسِكَنَا } جمع مَنْسك وهي العبادة والطاعة { ٱلْحِكْمَةَ } العلم النافع المصحوب بالعمل والمراد بها السنة النبوية المطهرة { وَيُزَكِّيهِمْ } من التزكية وهي في الأصل التنمية يقال: زكى الزرع إِذا نما ثم استعملت في معنى الطهارة النفسية قال تعالىقَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس: 9].

التفسِير: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } أي اذكر يا محمد حين اختبر الله عبده إبراهيم الخليل، وكلّفه بجملة من التكاليف الشرعية " أوامر ونواهٍ " فقام بهن خير قيام { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } أي قال له ربه إِني جاعلك قدوة للناس ومناراً يهتدي بك الخلق { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } أي قال إبراهيم واجعل يا ربّ أيضاً أئمة من ذريتي { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } أي لا ينال هذا الفضل العظيم أحدٌ من الكافرين { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } أي واذكر حين جعلنا الكعبة المعظمة مرجعاً للناس يقبلون عليه من كل جانب { وَأَمْناً } أي مكان أمن يأمن من لجأ إليه، وذلك لما أودع الله في قلوب العرب من تعظيمه وإِجلاله { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } أي وقلنا للناس اتخذوا من المقام - وهو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم لبناء الكعبة مصلّى أي صلوا عنده { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } أي أوصينا وأمرنا إِبراهيم وولده إِسماعيل { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } أي أمرناهما بأن يصونا البيت من الأرجاس والأوثان ليكون معقلاً للطائفين حوله والمعتكفين الملازمين له والمصلين فيه، فالآية جمعت أصناف العابدين في البيت الحرام: الطائفين، والمعتكفين، والمصلين.

السابقالتالي
2 3