الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قبائح اليهود، وما اختصوا به من ضروب السحر والشعوذة، أعقبه ببيان نوع آخر من السوء والشر، الذي يضمرونه للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين، من الطعن والحقد والحسد، وتمني زوال النعمة عن المؤمنين، واتخاذهم الشريعة الغراء هدفاً للطعن والتجريح بسبب النسخ لبعض الأحكام الشرعية.

اللغَة: { رَاعِنَا } من المراعاة وهي الإِنظار والإِمهال، وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الإِنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحُمْق ولذلك نهي عنها المؤمنون { ٱنْظُرْنَا } من النظر والانتظار تقول: نظرتُ الرجل إِذا انتظرته وارتقبته أي انتظرنا وتأنَّ بنا { يَوَدُّ } يتمنى ويحب { نَنسَخْ } النسخ في اللغة: الإِبطال والإِزالة يقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته وفي الشرع: رفع حكم شرعي وتبديله بحكم آخر { نُنسِهَا } من أنسى الشيءَ جعله منسياً فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب { وَلِيٍّ } الولي: من يتولى أمور الإِنسان ومصالحه { نَصِير } النصير: المعين مأخوذ من قولهم نصره إِذا أعانه { أَمْ } بمعنى بل وهي تفيد الانتقال من جملة إِلى جملة كقوله تعالىأَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [يونس: 38] أي بل يقولون { يَتَبَدَّلِ } يقال: بدّل وتبدل واستبدل أي جعل شيئاً موضع آخر، وتبدل الكفر بالإِيمان معناه أخذه بدل الإِيمان { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي وسط الطريق، والسواء من كل شيء: الوسط، والسبيل معناه الطريق { فَٱعْفُواْ } العفو: ترك المؤاخذة على الذنب { وَٱصْفَحُواْ } والصفح: ترك التأنيب عنه.

سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود قالوا: ألا تعجبون لأمر محمد؟! يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، فما هذا القرآن إِلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، يناقض بعضه بعضاً فنزلت { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ }.

التفسِير: { يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هذا نداء من الله جل شأنه للمؤمنين يخاطبهم فيه فيقول { لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } أي راقبنا وأمهلنا حتى نتمكن من حفظ ما تلقيه علينا { وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا } أي انتظرنا وارتقبنا { وَٱسْمَعُواْ } أي أطيعوا أوامر الله ولا تكونوا كاليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا { وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ولليهود الذين نالوا من الرسول وسبّوه، عذاب أليم موجع { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي ما يحب الكافرون من اليهود والنصارى ولا المشركون أن ينزّل عليكم شيء من الخير، بغضاً فيكم وحسداً لكم { وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يختص بالنبوة والوحي والفضل والإِحسان من شاء من عباده { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } والله واسع الفضل والإِحسان ثم قال تعالى رداً على اليهود حين طعنوا في القرآن بسبب النسخ { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } أي ما نبدّل من حكم آية فنغيره بآخر أو ننسها يا محمد أي نمحها من قلبك { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } أي نأت بخير لكم منها أيها المؤمنون بما هو أنفع لكم في العاجل أو الآجل، إِما برفع المشقة عنكم، أو بزيادة الأجر والثواب لكم { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي ألم تعلم أيها المخاطب أن الله عليم حكيم قدير، لا يصدر منه إِلا كل خير وإِحسان للعباد!! { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ألم تعلم أن الله هو المالك المتصرف في شئون الخلق يحكم بما شاء ويأمر بما شاء؟ { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي ما لكم وليٌّ يرعى شئونكم أو ناصر ينصركم غير الله تعالى فهو نعم الناصر والمعين { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أي بل أتريدون يا معشر المؤمنين أن تسألوا نبيكم كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل ويكون مثلكم مثل اليهود الذين قالوا لنبيهم

السابقالتالي
2 3