الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما جبل عليه اليهود، من خبث السريرة ونقض العهود، والتكذيب لرسل الله ومعاداة أوليائه، حتى انتهى بهم الحال إِلى عداوة السفير بين الله وبين خلقه وهو " جبريل " الأمين عليه السلام، أعقب ذلك ببيان أن من عادة اليهود عدم الوفاء بالعقود، وتكذيب الرسل، واتباع طرق الشعوذة والضلال، وفي ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سلكوا معه هذه الطريقة، في عدم الأخذ بما انطوى عليه كتاب الله من التبشير ببعثة السراج المنير، وإِلزامهم الإِيمان به واتباعه، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتبعوا ما ألقت إِليهم الشياطين من كتب السحر والشعوذة، ونسبوها إِلى سليمان عليه السلام وهو منها بريء، وهكذا حالهم مع جميع الرسل الكرام، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

اللغَة: { نبذ } النبذ: الطرح والإِلقاء ومنه سمي اللقيط منبوذاً لأنه ينبذ على الطريق قال الشاعر:
إنّ الذين أمرتهم أن يعدلوا   نبذوا كتابك واستحلوا المَحْرما
{ تَتْلُواْ } تحدّث وتروي من التلاوة بمعنى القراءة، أو من التلاوة بمعنى الاتباع قال الطبري: ولقول القائل: " هو يتلو كذا " في كلام العرب معنيان: أحدهما الاتباع كما تقول: تلوت فلاناً إِذا مشيت خلفه وتبعتَ أثره، والآخر: القراءة والدراسة كقولك: فلان يتلو القرآن أي يقرؤه { ٱلسِّحْرَ } قال الجوهري: كلُّ ما لطف مأخذه ودقَّ فهو سحر، وسحره أيضاً بمعنى خدَعه وفي الحديث " إنّ من البيان لسحراً " { فِتْنَةٌ } الفتنة: الابتلاء والاختبار ومنه قولهم: فتنتُ الذهب إِذا امتحنته بالنار لتعرف سلامته أو غشه { خَلاَقٍ } الخلاق: النصيب قال الزجاج: هو النصيب الوافر من الخير، وأكثر ما يستعمل في الخير { لَمَثُوبَةٌ } المثوبة: الثواب والجزاء.

التفسِير: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي والله لقد أنزلنا إليك يا محمد آيات واضحات دالاّت على نبوتك { وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } أي وما يجحد بهذه الآيات ويكذب بها إلا الخارجون عن الطاعة الماردون على الكفر { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم } أي أيكفرون بالآيات وهي في غاية الوضوح وكلّما أعطوا عهداً نقضه جماعة منهم؟ { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإِيمان الصادق لذلك ينقضون العهود والمواثيق { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } أي مصدقاً للتوراة وموافقاً لها في أصول الدين ومقرراً لنبوة موسى عليه السلام { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } أي طرح أحبارهم وعلماؤهم التوارة وأعرضوا عنها بالكلية لأنها تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجحدوا وأصروا على إِنكار نبوته { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي كأنهم لا يعلمون من دلائل نبوته شيئاً { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أي اتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } أي وما كان سليمان ساحراً ولا كفر بتعلمه السحر { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ } أي ولكنّ الشياطين هم الذين علموا الناس السحر حتى فشا أمره بين الناس { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } أي وكما اتبع رؤساء اليهود السحر كذلك اتبعوا ما أنزل على الملَكيْن وهما هاروت وماروت بمملكة بابل بأرض الكوفة، وقد أنزلهما الله ابتلاءً وامتحاناً للناس { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } أي إن الملَكَيْن لا يعلمان أحداً من الناس السحر حتى يبذلا له النصيحة ويقولا إِن هذا الذي نصفه لك إِنما هو امتحان من الله وابتلاء، فلا تستعمله للإِضرار ولا تكفر بسببه، فمن تعلمه ليدفع ضرره عن الناس فقد نجا، ومن تعلمه ليلحق ضرره بالناس فقد هلك وضل.

السابقالتالي
2 3