اللغَة: { وَهَنَ } ضعف يقال وَهَن يهنُ فهو وَاهِنٌ والوهنُ ضعفُ القوة { ٱشْتَعَلَ } الاشتعال انتشار شعاع النار { عَاقِراً } العاقر: التي لا تلد لكبر سنها { عِتِيّاً } العِتيُّ: النهاية في الكبر واليبس والجفاف يقال: عتا الشيخ كبر وولّى قال الشاعر:
إنما يُعذر الوليدُ ولا يُعذر
من كان في الزَّمان عِتّياً
{ حَنَاناً } الحنان: الشفقة والرحمةُ والمحبةُ، وأصله من حنين الناقة على ولدها وحنانيْك تريد رحمتك قال طرفة:
أبَا منذر أفنيت فاسْتبق بعضَنا
حنانَيْك بعضُ الشر أهونُ من بعض
{ ٱنتَبَذَتْ } ابتعدت وتنحَّت { سَوِيّاً } مستوي الخلقة { ٱلْمَخَاضُ } اشتداد وجع الولادة والطلق { سَرِيّاً } السريُّ: النهر والجدول لأن الماء يسري فيه { فَرِيّاً } الفريُّ: العظيم من الأمر. التفسِير: { كۤهيعۤصۤ } حروفٌ مقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وتقرأ: " كافْ، هَا، يَا، عَيْنْ، صَادْ " { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } أي هذا ذكرُ رحمةِ ربِّك لعبدِهِ زكريا نقصُّه عليك يا محمد { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } أي حين ناجى ربه ودعاه بصوتٍ خفي لا يكاد يسمع قال المفسرون: لأن الإِخفاء في الدعاء أدخلُ في الإِخلاص وأبعدُ من الرياء { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } أي دعا في ضراعة فقال يا رب: لقد ضعف عظمي، وذهبتْ قوتي من الكِبر { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } أي انتشر الشيب في رأسي انتشار النار في الهشيم { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } أي لم تخيّب دعائي في وقت من الأوقات بل عودتني الإِحسان والجميل فاستجب دعائي الآن كما كنت تستجيبه فيما مضى قال البيضاوي: هذا توسلٌ بما سلف له من الاستجابة، وأنه تعالى عوَّده بالإِجابة وأطمعه فيها، ومن حقّ الكريم أن لا يخيَّب من أطمعه { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي } أي خفت بني العم والعشيرة من بعد موتي أن يضيّعوا الدين ولا يُحسنوا وراثة العلم والنبوة { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً } أي لا تلد لكبر سنها أو لم تلدْ قطُّ { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } أي فارزقني من محض فضلك ولداً صالحاً يتولاني { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } أي يرثني ويرث أجداده في العلم والنبوة قال البيضاوي: المراد وراثة الشرع والعلم فإِن الأنبياء لا يورّثون المال { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } أي اجعله يا رب مرضياً عندك قال الرازي: قدًَّم زكريا عليه السلام على طلب الولد أموراً ثلاثة: أحدها: كونه ضعيفاً، والثاني: أن الله ما ردَّ دعاءه البتة، والثالث: كون المطلوب بالدعاء سبباً للمنفعة في الدين ثم صرَّح بسؤال الولد وذلك مما يزيد الدعاء توكيداً لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته والتبري عن الأسباب الظاهرة { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } أي نبشرك بواسطة الملائكة بغلامٍ يسمى يحيى كما في آل عمران{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ }