الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } * { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أن كل ما في الكون منقادٌ لأمر الله، خاضعٌ لسلطانه، أمر هنا بإِفراده بالعبادة لأنه الخالق الرازق، ثم ضرب الأمثال في ضلالات أهل الجاهلية، وذكَّر الناس بنعمه الجليلة ليعبدوه ويشكروه.

اللغَة: { وَاصِباً } دائماً ولازماً قال الجوهري: وصبَ الشيء وصوباً أي دام ومنهوَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } [الصافات: 9] أي دائم وقال الشاعر:
" وهزيمٌ ردعه واصب "   
{ تَجْأَرُونَ } الجؤار: رفع الصوت بالدعاء والتضرع يقال: جأر أي صاح قال الأعشى يصف بقرة:
فطافت ثلاثاً بينَ يومٍ وليلةٍ   وكانَ النكيرُ أن تُطيف وتجْأَرا
{ كَظِيمٌ } ممتلئ غماً وغيظاً، والكظم أن يطبق الفم فلا يتكلم من الغيظ { يَتَوَارَىٰ } يختفي { هُونٍ } هَوانٍ وذُل { فَرْثٍ } الفرْثُ: الزبل الذي ينزل إِلى الكَرش أو المِعَى { سَآئِغاً } لذيذاً هيناً لا يغصُّ به من شربه { ذُلُلاً } جمع ذلول وهو المنقاد المسخَّر بلا عناء { حَفَدَةً } الحفدة: قال الأزهري أولاد الأولاد، والحفدة: الخدم والأعوان.

التفسِير: { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي لا تعبدوا إِلهين فإِن الإِله الحق لا يتعدد { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } أي إِلهكم واحد أحد فردٌ صمد { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي خافون دون سواي { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ملكاً وخلقاً وعبيداً { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي له الطاعة والانقياد واجباً ثابتاً فهو الإِله الحق، وله الطاعة خالصة { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي كيف تتقون وتخافون غيره، ولا نفع ولا ضر إِلا بيده؟ { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } أي ما تفضَّل عليكم أيها الناس من رزقٍ ونعمةٍ وعافيةٍ ونصر فمن فضلِ الله وإِحسانه { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي ثم إِذا أصابكم الضُّرُ من فقرٍ ومرضٍ وبأساء فإِليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء، والغرض أنكم تلجأون إِليه وحده ساعة العسرة والضيق، ولا تتوجهون إِلا إِليه دون الشركاء { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي إِذا رفع عنكم البلاء رجع فريق منكم إِلى الإِشراك بالله قال القرطبي: ومعنى الكلام التعجيبُ من الإِشراك بعد النجاة من الهلاك { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } أي ليجحدوا نعمته تعالى من كشف الضر والبلاء { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي تمتعوا بدار الفناء فسوف تعلمون عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب، وهو أمرٌ للتهديد والوعيد { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } أي يجعلون للأصنام التي لا يعلمون ربوبيتها ببرهان ولا بحجة نصيباً من الزرع والأنعام تقرباً إِليها { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } أي والله أيها المشركون لتُسألنَّ عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله، والمراد سؤال توبيخٍ وتقريع { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } أي ومن جهل هؤلاء المشركين وسفاهتهم أن جعلوا الملائكة بنات الله، فنسبوا إِلى الله البنات وجعلوا لهم البنين { سُبْحَانَهُ } أي تنزَّه الله وتعظَّم عن هذا الإِفك والبهتان { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من البنين مع كراهتهم أنهم يأنفون من البنات { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ } أي إِذا أُخبر أحدهم بولادة بنت { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } أي صار وجهه متغيراً من الغم والحزن قال القرطبي: وهو كناية عن الغم والحزن وليس يريد السواد، والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودَّ وجهه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي مملوءٌ غيظاً وغماً { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } أي يختفي من قومه خوفاً من العار الذي يلحقه بسبب البنت، كأنها بليَّة وليست هبةً إِلهية، ثم يفكر فيما يصنع { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } أي أيمسك هذه الأنثى على ذلٍ وهوان أم يدفنها في التراب حية؟ { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء صنيعهم وساء حكمهم، حيث نسبوا لخالقهم البنات - وهي عندهم بتلك الدرجة من الذل والحقارة - وأضافوا البنين إِليهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } أي لهؤلاء الذين لم يصدّقوا بالآخرة ونسبوا للهِ البنات سفهاً وجهلاً، صفةُ السوء القبيحة التي هي كالمثل في القبح، فالنقصُ إنما ينسب إِليهم لا إِلى الله { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي له جل وعلا الوصف العالي الشأن، والكمال المطلق، والتنزه عن صفات المخلوقين { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيزُ في ملكه، الحكيمُ في تدبيره ثم أخبر تعالى عن حلمه بالعباد مع ظلمهم فقال { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } أي لو يؤاخذهم بكفرهم ومعاصيهم ويعاجلهم بالعقوبة { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } أي ما ترك على الأرض أحداً يدبُّ على ظهرها من إِنسانٍ وحيوان { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } أي ولكنْ يؤخرهم إِلى وقتٍ معيَّن تقتضيه الحكمة { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي فإِذا جاء الوقت المحدَّد لهلاكهم لا يتأخرون برهةً يسيرةً من الزمن ولا يتقدمون عليها كقوله

السابقالتالي
2 3 4