اللغَة: { هُمَزَةٍ } الهمَّاز: الذي يغتاب الناس ويطعن في أعراضهم، وبناء " فُعلة " يدل على الاعتياد فلا يقال: لُعنة وضُحكة إِلا للمكثر المعتاد { لُّمَزَةٍ } اللماز: الذي يعيب الناس وينال منهم بالحاجب والعين { ٱلْحُطَمَةُ } نار جهنم سميت بذلك لأنها تكسر كل ما يُلقى فيها وتحطمه وتهشمه { مُّؤْصَدَةٌ } مطبقة مغلقة من أوصد الباب إِذا أغلقه. التفسِير: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } أي عذاب شديد وهلاك ودمار، لكل من يعيب الناس ويغتابهم ويطعن في أعراضهم، أو يلمزهم سراً بعينه أو حاجبه قال المفسرون: نزلت السورة في " الأخنس بن شريق " لأنه كان كثير الوقيعة في الناس، يلمزهم ويعيبهم مقبلين ومدبرين، والحكم عامٌ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } أي الذي جمع مالاً كثيراً وأحصاه، وحافظ على عدده لئلا ينقص فمنعه من الخيرات قال الطبري: أي أحصى عدده ولم ينفقه في سبيل الله ولم يؤد حقَّ الله فيه ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } أي يظن هذا الجاهل لفرط غفلته أن ماله سيتركه مخلداً في الدنيا لا يموت { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } أي ليرتدع عن هذا الظنّ فواللهِ ليطرحنَّ في النار التي تحطم كل ما يُلقى فيها وتلتهمه { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } تفخيمٌ وتهويلٌ لشأنها أي وما الذي أعلمك ما حقيقة هذه النار العظيمة؟ إِنها الحطمة التي تحطم العظام وتأكل اللحوم، حتى تهجم على القلوب، ثم فسرها بقوله { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } أي هي نار الله المسعَّرة بأمره تعالى وإِرادته، ليست كسائر النيران فإِنها لا تخمد أبداً، وفي الحديث " أُوقد على النار ألفُ سنة حتى احمرت، ثم أُوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّت، ثم أُوقد عليها ألفُ سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة " { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } أي التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب فتحرقها قال القرطبي: وخصَّ الأفئدة لأن الألم إِذا صار إِلى الفؤاد مات صاحبه، فإِنهم في حال من يموت وهم لا يموتون كما قال تعالى{ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } [الأعلى: 13] فهم إِذاً أحياء في معنى الأموات { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } أي إِن جهنم مطبقة مغلقةٌ عليهم، لا يدخل إِليهم روح ولا ريحان { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } أي وهم موثوقون في سلاسل وأغلال، تشدُّ بها أيديهم وأرجلهم، بعد إِطباق أبواب جهنم عليهم، فقد يئسوا من الخروج بإِطباق الأبواب عليهم، وتمدد العمد إِيذاناً بالخلود إِلى غير نهاية.. البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي: 1- صيغة المبالغة { هُمَزَةٍ } ، و { لُّمَزَةٍ } لأن بناء " فُعلة " يدل على أنها عادة مستمرة. 2- التنكير للتفخيم { جَمَعَ مَالاً } أي مالاً كثيراً لا يكاد يحصى. 3- التفخيم والتهويل { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ }؟ تهويلاً لشأن جهنم. 4- الجناس غير التام بين { هُمَزَةٍ } و { لُّمَزَةٍ } ويسمى الجناس الناقص. 5- توافق الفواصل مثل { عَدَّدَهُ } ، { أَخْلَدَهُ } ، { ٱلْمُوقَدَةُ } ، { مُّمَدَّدَةِ } ويسمى بالسجع.