الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

اللغَة: { أَلْهَاكُمُ } الإِلهاء: الشغل والانصراف عن الشيء الهام إِلى ما يدعو إِليه الهوى، وأصل اللهو الغفلةُ ثم شاع في كل شاغلٍ قال الراغب: اللهو ما يشغلك عما يعني ويهمُّ { ٱلتَّكَّاثُرُ } التباهي بكثرة المال والجاه وهو بمعنى المكاثرة { ٱلْمَقَابِرَ } القبور جمع مقبرة، والقبور جمع القبر قال الشاعر:
أرى أهل القُصور إِذا أُميتوا   بَنَوْا فوق المقابر بالصخور
أبو إِلاّ مباهاةً وفخراً   على الفقراء حتى في القبور
التفسِير: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } أي شغلكم أيها الناسُ التفاخر بالأموال والأولاد والرجال عن طاعة الله، وعن الاستعداد للآخرة { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي حتى أدرككم الموت، ودفنتم في المقابر، والجملةُ خيرٌ يراد به الوعظ والتوبيخ قال القرطبي: المعنى شغلكم المباهاة بكثرة المال والأولاد عن طاعة الله، حتى مُتُّم ودفنتم في المقابر { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } زجرٌ وتهديدٌ أي ارتدعوا أيها الناس وانزجروا عن الاشتغال بما لا ينفع ولا يفيد، فسوف تعلمون عاقبة جهلكم وتفريطكم في جنب الله، وانشغالكم بالفاني عن الباقي { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيدٌ إِثر وعيد، زيادة في الزجر والتهديد أي سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إِذا نزل بكم الموت وعاينتم أهواله وشدائده قال ابن عباس: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما ينزل بكم من العذاب في القبر { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي في الآخرة إِذا حلَّ بكم العذاب { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي ارتدعوا وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي الذي لا شك فيه ولا امتراء، وجواب { لَوْ } محذوفٌ لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله، ولما خُدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها كما قال صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " الحديث قال في التسهيل: وجوابُ { لَوْ } محذوفٌ تقديره: لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة، وإِنما حذف لقصد التهويل، فيقدر السامع، أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالىوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [الأنعام: 27] { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } أي أُقسم وأؤكد بأنكم ستشاهدون الجحيم عياناً ويقيناً قال الألوسي: هذا جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدَّد به التهديد، وأوضح به ما أنذروه بعد إِبهامه تفخيماً أي والله لترون الجحيم { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي ثم لترونها رؤية حقيقية بالمشاهدة العينية قال في البحر: زاد التوكيد بقوله { عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي ثم لتسألنَّ في الآخرة عن نعيم الدنيا من الأمن والصحة، وسائر ما يُتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومركب، ومفرش.

البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:

1- الوعظ والتوبيخ { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } فقد خرج الخبر عن حقيقته إِلى التذكير والتوبيخ.

السابقالتالي
2