الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

اللغَة: { ٱلْقَارِعَةُ } اسم من أسماء القيامة، سميت بها لأنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها، وأصلُ القرع الضرب بشدة وقوة، تقول العرب: قرعتهم القارعة وفقَرتهم الفاقرة، إِذا وقع بهم أمر فظيع { ٱلْمَبْثُوثِ } المنتشر المتفرق { ٱلْعِهْنِ } الصوف ذو الألوان أو المصبوغ { الهَاوِيَةٌ } اسم لجهنم سميت بذلك لأنَّ الناس يهْوون بها أي يسقطون.

التفسِير: { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } أي القيامة وأيُّ شيء هي القيامة؟ إِنها في الفظاعة والفخامة بحيث لا يدركها خيال، ولا يبلغها وهمُ انسان فهي أعظم من أن توصف أو تصوَّر، ثم زاد في التفخيم والتهويل لشأنها فقال { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ }؟ أي أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة في هولها على النفوس؟ إِنها لا تُفزع القلوب فحسب، بل تؤثّر في الاجرام العظيمة، فتؤثر في السماوات بالإِنشقاق، وفي الأرض بالزلزلة، وفي الجبال بالدكّ والنسف، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الشمس والقمر بالتكوير والانكدار إِلى غير ما هنالك قال أبو السعود: سميت القيامة قارعة لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأهوال والأفزاع، ووضع الظاهر موضع الضمير { مَا ٱلْقَارِعَةُ } تأكيداً للتهويل، والمعنى أيُّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة، ثم أكد هولها وفظاعتها بقوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ }؟ ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، بحيث لا تكاد تنالها دراية أحد.. وبعد هذا التخويف والتشويق إِلى معرفة شيءٍ من أحوالها، جاء التوضيح والبيان بقوله تعالى { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } أي ذلك يحدث عندما يخرج الناسُ من قبورهم فزعين، كأنهم فراش متفرق منتشر هنا وهناك، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع والحيرة قال الرازي: شبه تعالى الخلق وقت البعث هٰهنا بالفراش المبثوث، وفي آية أُخرى بالجراد المنتشر، أما وجه التشبيه بالفراش، فلأن الفراش إِذا ثار لم يتجه إِلى جهةٍ واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إِلى غير جهة الأُخرى، فدلَّ على أنهم إِذا بُعثوا فزعوا، وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة، يصبحون كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، فكذلك الناس إِذا بُعثوا يموج بعضُهم في بعض كالجراد والفراش كقوله تعالىوَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } [الكهف: 99] { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول أي وتصير الجبال كالصوف المنتثر المتطاير، تتفرق أجزاؤها وتتطاير في الجو، حتى تكون كالصوف المتطاير عند الندف قال الصاوي: وإِنما جمع بين حال الناس وحال الجبال، تنبيهاً على أن تلك القارعة أثَّرت في الجبال العظيمة الصلبة، حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة ، فكيف حال الإِنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب!! ثم ذكر تعالى حالة الناس في ذلك اليوم، وانقسامهم إِلى شقي وسعيد فقال { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } أي رجحت موازين حسناته، وزادت حسناتُه على سيئاته { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } أي فهو في عيش هنيءٍ رغيد سعيد، في جنان الخلد والنعيم { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } أي نقصت حسناته عن سيئاته، أولم يكن له حسناتٌ يُعتدُّ بها { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي فمسكنه ومصيره نار جهنم يهوي في قعرها، سَّماها أُماً لأن الأم مأوى الولد ومفزعه، فنار جهنم تؤوي هؤلاء المجرمين، كما يأوي الأولاد إِلى أمهم، وتضمهم إِليها كما تضم الأم الأولاد إِليها قال أبو السعود: { هَاوِيَةٌ } اسم من أسماء النار، سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها، روي أن أهل النار يهوون فيها سبعين خريفاً { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ }؟ استفهام للتفخيم والتهويل أي وما أعلمك ما الهاوية؟ ثم فسَّرها بقوله { نَارٌ حَامِيَةٌ } أي هي نار شديدة الحرارة، قد خرجت عن الحد المعهود، فإِن حرارة أي نارٍ إِذا سُعرت وأُلقي فيها أعظم الوقود لا تعادل حرارة جهنم، أجارنا الله منها بفضله وكرمه.

السابقالتالي
2