الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ }

اللغَة: { قَدَمَ صِدْقٍ } قال الليث: القدم السابقة قال ذو الرمة:
وأنت امرؤٌ من أهل بيت ذُؤَابةٍ   لهم قدمٌ معروفةٌ ومفاخر
وقال أبو عبيدة: كل سابق في خير أو شر فهو قدم وقال الأخفش: سابقة إِخلاص { يُدَبِّرُ } التدبير القضاء والتقدير على حسب الحكمة { ٱلْقِسْطِ } العدل { حَمِيمٍ } الحميم: الماء الحار الذي سخّن بالنار حتى انتهى حره { يُفَصِّلُ } التفصيل: التبيين والتوضيح { مَأْوَاهُمُ } مثواهم ومقامهم { طُغْيَانِهِمْ } الطغيان العلو والارتفاع { يَعْمَهُونَ } يتحيَّرون { خَلاَئِفَ } جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شئونه.

سَبَبُ النّزول: قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم أنكرت الكفار وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، أما وجد الله من يرسله إِلا يتيم أبي طالب؟ فأنزل الله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ.. } الآية.

التفسِير: { الۤر } إِشارة إِلى أن هذا الكلام البليغ المعجز، مكوّن من جنس الأحرف التي يتكون منها كلامكم، فمن هذه الحروف وأمثالها تتألف آيات الكتاب الحكيم، وهي في متناول أيديهم ثم يعجزون عن الإِتيان بمثل آية واحدة منه { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } أي هذه آيات القرآن المُحْكم المبين الذي لا يدخله شك، ولا يعتريه كذب ولا تناقض { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } أي أكان عجباً لأهل مكة إِيحاؤنا إِلى رجلٍ منهم هو محمد عليه السلام؟ والهمزة للإِنكار أي لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الأمم السالفة أوحى إِلى رسلهم ليبلغوهم رسالة الله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } أي أوحينا إِليه بأن خوِّف الكفار عذاب النار { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } أي وأنْ بَشّرِ المؤمنين بأنَّ لهم سابقةً ومنزلة رفيعة عند ربهم بما قدموا من صالح الأعمال { قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } أي ومع وضوح صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وإِعجاز القرآن، قال المشركون: إٍِنَّ محمداً لساحرٌ ظاهر السحر، مبطلٌ فيما يدَّعيه قال البيضاوي: وفيه اعترافٌ بأنهم صادفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً خارقة للعادة، معجزة إيّاهم عن المعارضة، وهو اعتراف من حيث لا يشعرون بأن ما جاء به خارجٌ عن طوق البشر { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي إنَّ ربكم ومالك أمركم الذي ينبغي أن تفردوه بالعبادة هو الذي خلق الكائنات في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، ولو شاء لخلقهنَّ في لمحة ولكنه أراد تعليم العباد التأني والتثبت في الأمور { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } استواءً يليق بجلاله من غير تكييفٍ، ولا تشبيه، ولا تعطيل قال ابن كثير: نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، وهو إِمرارها كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل، والمتبادر إِلى أذهان المشبِّهين منفيٌ عن الله، فإِن الله لا يشبهه شيءٌ من خلقه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، فقد سلك سبيل الهدى وقال أبو السعود: استوى على العرش على الوجه الذي عناه، وهو صفة له سبحانه بلا كيف، منزهاً عن التمكن والاستقرار، وهذا بيانٌ لجلالة ملكه وسلطانه، بعد بيان عظمة شأنه { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي يدبّر أمر الخلائق على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة قال ابن عباس: لا يشغله في تدبير خلقه أحد { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } أي لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إِلا بعد أن يأذن له في الشفاعة، وفي هذا ردٌّ على المشركين في زعمهم أن الأصنام تشفع لهم { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } أي ذلكم العظيم الشأن هو ربكم وخالقكم لا ربَّ سواه، فوحّدوه بالعبادة { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تتعظون وتعتبرون؟ تعلمون أنه المتفرد بالخلق ثم تعبدون معه غيره { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } أي إِلى ربكم مرجعكم أيها الناس يوم القيامة جميعاً { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أي وعداً من الله لا يتبدّل، وفيه ردٌّ على منكري البعث حيث قالوا

السابقالتالي
2 3 4