الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) مصنف و مدقق


{ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ وَرَاعِنَا }

(46) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ إنَّهُ أعْرَفُ مِنْهُمْ بِأعْدَائِهِم اليَهُودِ (الذِينَ هَادُوا)، وَإنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ يُمِيلُونَ الكَلاَمَ عَنْ مَعْنَاهُ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ) وَيُرِيدُونَ بِهِ غَيْرَ المَقْصُودِ بِهِ، وَهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُمْ، افْتِرَاءً عَلَى اللهِ، وَرَغْبَةً فِي إيذاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَيَقُولُونَ: سَمِعْنا مَا قُلْتَ يَا مُحَمَّدُ، وَنَحْنُ لاَ نُطِيعُكَ فِيهِ. وَهَذَا أبْلَغُ فِي الكُفْرِ وَالعِنَادَ لأنَّهُمْ مُتَوَلُّونَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، بَعْدَمَا عَقَلُوهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الإِثْمِ وَالعُقُوبَةِ عِنْدَ اللهِ. وَيَقُولُونَ: اسْمَعْ مَا نَقُولُ لَكَ لاَ سَمِعْتَ (أيْ لاَ أَسْمَعَكَ اللهُ دُعَاءً)، وَهُمْ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ عَلَى النَّبِيِّ، مَعْ أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ إِيهَامَ مَنْ حَوْلَهُمْ بِأنَّهُمْ يُرِيدُونَ الدُّعَاءَ لَهُ. مَعْ أنَّ المُسْلِمِينَ حِينَما كَانُوا يَقُولُونَ هَذِهِ العِبَارَةَ إنَّمَا كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهَا الدُّعَاءَ (لاَ أسْمَعَكَ اللهُ مَكْرُوهاً).

وَكَانَ اليَهُودُ يَقُولُونَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (رَاعِنَا)، وَهُمْ يُوهِمُونَ مَنْ حَوْلَهُمْ بِأنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ (أرْعِنَا سَمَعَكَ)، أيْ انْتَبِهْ لِمَا نَقُولُ لَكَ. وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَلُوُونَ ألْسِنَتهمْ فَيَبْدُو وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ سَبَّ النَّبِيِّ وَوَصْفَهُ بِالرُّعُونَةِ (وَرَاعِينُو بِالعِبْرِيَّةِ تَعْنِي الشِّرِّيرَ) وَهُمْ إنَّما يَفْعَلُونَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِالدِّينِ ِالذِي يُبَلِّغُهُ النَّبِيُّ عَنْ رَبِّهِ إلَى عِبِادِ اللهِ.

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: وَلَوْ أنَّهُمْ قَالُوا لِلْنَّبِيِّ: سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرَنا، لَكَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَهُمْ وَأفْضَلَ، وَلَكِنَّ اللهَ لَعَنَهُمْ وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَصَرَفَهُمْ عَنِ الخَيْرِ وَالهُدَى، فَلاَ يُؤْمِنُونَ إيمَاناً نَافِعاً لَهُمْ.

(وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى المَقْطَعِ الأخِيرِ: إنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُ مِنْهُمْ بِالإِسْلاَمِ إلاَّ قَلِيلُونَ).

يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ - يُغَيِّرُونَهُ أوْ يَتَأَوَّلُونَهُ بِالبَاطِلِ.

اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمِعٍ - قَصَدَ بِهِ اليَهُودُ الدُّعَاءَ عَلَى النَّبِيِّ.

رَاعِنَا - قَصَدُوا بِهَا الإِسَاءَةَ إلَيْهِ.

لَيّاً بِألْسِنَتِهِمْ - مَيْلاً بِألْسِنَتِهِمْ إلى جَانِبِ السُّوءِ مِنَ القَوْلِ.