الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

{ يٰأَيُّهَا } { آمَنُواْ }

(9) - وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهُ تَعَالى عِبَادَهُ بِتَقْوَاهُ، وَبِعَدَمِ الخَوْفِ مِنْ سِوَاهُ، ذَكَّرَ عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيِْهِمْ مِنْ نِعَمٍ، وَمِنْ تَحْقِيقِ مَا وَعَدَهُمْ بهِ مِنْ نَصْرٍ، وَذَلِكَ حِينَمَا جَاءَتْهُمْ جُنُودُ الأَحْزَابِ، فَأْرْسَلَ اللهُ عَلَيهِمْ رِيحاً كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ، واقْتَلَعَتْ خِيَامَهُمْ، وأَرْسَلَ إِليهِمْ مَلائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ - وَهُمْ جُنُودُهُ، وَلَمْ يَرَهُمْ المُسْلِمُونَ - يُوقِعُونَ الخَوْفَ والرُّعْبَ والخِذْلاَنَ في نُفُوسِ المُشْرِكينَ، فَارْتَحَلُوا فِي ليلةٍ شَاتِيةٍ شَديدَةِ البَرْدِ، وَكَانَ اللهُ بَصِيراً بِأَعْمَالِ المُؤْمِنينَ، وَصِدْقِ نِيَّاتِهِمْ، فَتَوَلَّى الدِّفاعَ عَنْهُمْ.

وَقِصَّةُ الأَحْزابِ كَمَا رَوَتْها كُتُبُ السِّيرَةِ كَانَتْ كَمَا يَلِي: إِنَّ نَفَراً مِنْ يَهُودِ المَدِينةِ جَاؤُوا إِلى قُرَيشٍ في مَكَّةَ، فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ لِلْهِجْرَةِ يُحَرِّضُونَ المُشْرِكِينَ عَلى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاؤُوا إِلى قَبَائِل غَطْفَانَ وَقَيْسِ عَيْلاَنَ وَأَسَدٍ وَحَالَفُوهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ عَلى الرِّسُولِ والمُسلِمينَ يَداً واحِدةً، فَخَرَجَتْ هذِهِ القَبَائِلُ إِلى المَدِينَةِ.

وَلَمَّا عَلِمَ الرَّسُولَ بِمَسِيرِهِمْ إِليهِ، اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَأَشَارَ عَليهِ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ بِحَفْرِ خَنْدَقٍ حَوْلَ المَدِينَةِ يُسَاعِدُ المُسْلِمينَ فِي مَنْعِ تَقَدُّمِ المُشركِينَ إلى دَاخِلها، فَقَامَ المُسْلِمُونَ بِذَلِكَ. وَلَمّا وَصَلَتِ القَبَائِلُ المُتَحَالِفَةُ إلى المَدِينةِ وَجَدُوا الخَنْدَقَ، فَحَاصَرُوا المَدِينَة، وَنَشِبَتْ مُنَاوَشَاتٌ بينَ المُسْلِمينَ والمُشْرِكينَ. وَفي أثناءِ الحِصَارِ نَقَضَ بَنُو قُرَيْظَةَ عَهْدَهُمْ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، بِمَسْعَى مِنْ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ سَيِّدِ يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ الذِينَ أجْلاَهُمُ الرَّسُولُ إِلى خَيَبَر، فَشَّقَّ ذلكَ على المُسْلِمِينَ.

ثُمَّ جَاءَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِنْ غَطْفَانَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَنَّ قَوْمَهُ لاَ يَعْلَمُونَ بإِسْلاَمِهِ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِمَا يَرَى فِيهِ،المَصْلَحَةَ لِلمُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ إِنَّما أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، والحَرْبُ خُدْعَةٌ فَخَذِّلْ عَنَّا مَنِ اسْتَطَعْتَ، فَذَهَبَ إِلى بَنِي قُرَيْظَةٍ - وَكَانَ يُخَالِطُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ - فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ قُريشاً وَمَنْ مَعَها مِنَ القَبَائِلِ لَيْسَ لَهُمْ مُقَامٌ فِي المَدِينَةِ، وأَنَّهُمْ إِذا مَا عَضَّتْهُمُ الحَرْبُ انْسَحَبُوا إِلى بِلادِهِمْ، وَتَبْقَوْنَ أَنْتُم وَحْدَكُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَأَنْتُمْ لاَ قِبَلَ لَكُمْ بِهِ وَحْدَكُمْ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَطْلُبُوا رَهَائِنَ مِنْ هذِهِ القَبَائِلِ التِي تُحَاصِرُ المَدِينَةَ لِكَيْلا يَنْسَحِبُوا وَيَتَرَاجَعُوا عَنْ قِتالِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ القَضَاءِ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا.

وَذَهَبَ إلى قُرَيشٍ وَغَطْفَانَ وَالقَبَائِلِ الأُخْرَى يَقُولُ لَهُمْ إِنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَدِمُوا عَلَى نَقْضِ عَهْدِهِمْ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّهُمْ وَعَدُوهُ بِأَنْ يُسَلِّمُوهُ وُجُوهَ القَبَائِلِ لِيَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، عَلَى أَنْ يَعُودَ العَهْدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إِلى مَا كَانَ عَلَيهِ مِنْ قَبْلُ. فَدَبَّ الخِلافُ وَالخِذْلانُ، وَسَادَ التَّشَكُّكُ بَيْنَ القَبَائِلِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاسْتَشْعَر كُلُّ فَريقٍ الحَذَرَ مِنَ الآخَرِ.

وفِي لَيلَةٍ شَاتِيةٍ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدةٌ بَارِدَةٌ أَخَذَتْ تَكْفَأُ القُدُورَ، وَتَقْتَلِعُ الخِيَامَ، فَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بِالرَّحِيلِ في النَّاسِ فَارْتَحَلُوا.

جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ - الأَحْزَابُ يَومَ الخَنْدَقِ.