الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ ٱلرِّبَا } { ٱلشَّيْطَانُ } { فَأُوْلَـٰئِكَ } { أَصْحَابُ } { خَالِدُونَ }

(275) - بَعْدَ أنْ ذَكَر اللهُ تَعَالى الإِنفَاقَ فِي سَبيلِ اللهِ، وَالتَّصَدُّقَ عَلَى عِبَادِهِ، وَإخْراجَ الزَّكَاةِ، شَرَعَ فِي عَرْضِ حَالِ آكِلِي الرِّبا، وَأمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَأَنْوَاعِ الشُّبُهَاتِ، فَأخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ عَنْهُم: إنَّهُم لاَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلاّ قِياماً مُنْكَراً، كَمَا يَقُومُ المَصْرُوعُ حَالَ صَرَعِهِ. وَأكْلُهُمُ الرِّبَا هَذا قائِمٌ عَلى اسْتِحلاَلِهِمْ لَهُ، وَجَعْلِهِ كَالبَيْعِ، فَيَقُولُونَ: كَمَا يَجُوزُ أنْ يَبيعَ الإِنْسَانُ سِلعَتَهُ التِي ثَمَنُهَا عَشَرَةُ دَراهِمَ نَقْداً بِعِشْرِينَ دِرْهَماً لأِجَلٍ، كَذلِكَ يَجُوز لَهُ أنْ يُعْطِيَ المُحْتَاجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى أنْ يَرُدَّهَا عَلَيهِ عِشْرِينَ دِرْهَماً بَعْدَ سَنَةٍ، فَالسَّبَبُ فِي رَأيِهِمْ وَاحِدٌ فِي كُلٍّ مِنَ الزِّيَادَتَيْنِ، وَهُوَ الأجَلُ.

هَذِهِ هِيَ حُجَّةُ آكِلِي الرِّبا وَهُمْ وَاهِمُونَ فِيمَا قَالُوهُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ، لأنَّ البَيْعَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حِلَّهُ لأَِنَّهُ يُلاحَظُ فِيهِ دَائماً انْتِفاعُ المُشْتَرِي بِالشَّيْءِ انْتِفَاعاً حَقِيقيّاً.

أمَّا الرِّبا فَهُوَ إعْطَاءُ الدَّراهِم وَالْمِثْلِيَّاتِ وَأخْذُها مُضَاعَفَةً فِي وَقْتٍ آخَرَ. فَمَا يُؤخَذُ مِنَ المَدِينِ زِيَادَةً في رَأسِ المَالِ لاَ مُقَابِلَ لَهُ مِنْ عَيْنٍ وَلاَ عَمَل. فَمَنْ بَلَغَهُ نَهْيُ اللهِ عَنِ الرِّبا، فَانْتَهى عَنِ الرِّبا فَلَهُ مَا سَلَفَ مِمَّا أكَلَهُ مِنَ الرِّبا قَبْلَ التَّحْرِيم، وَمَا سَبَقَ لَهُ أنْ أخَذَهُ أَيَّامَ الجَاهِلِيَّةِ، وَأمْرُهُ مَرْدُودٌ إلى اللهِ. وَمَنْ عَادَ إلى الرِّبا، بَعْدَ أنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنْهُ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ العُقُوبَةَ مِنَ اللهِ، وَالخُلُودَ في نَارِ جَهَنَّمَ.

الذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ - أي المَصْرُوعُ. وَكَانَتِ العَرَبُ تَعْتَقِدُ أنَّ الشَيْطَانَ يَخْبِطُ الإِنْسَانَ فَيَصْرَعُهُ.

جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ - بَلَغَهُ أمْرُ نَهْيِ اللهِ عَنْ أكْلِ الرِّبا.

المَسِّ - الجُنُونِ وَالخَبَلِ.

مَرَاحِلُ تَحْرِيمِ الرِّبا فِي القُرْآنِ:

كَمَا مَرَّ تَحْرِيمُ الخَمْرِ فِي مَرَاحِلَ، كَذَلِكَ مَرَّ تَحْرِيمُ الرِّبا فِي أرْبَعِ مَرَاحِلَ مُتَدَرِّجَةٍ:

1- فِي المَرْحَلَةِ الأولى - قَالَ الله تَعَالَى فِي الآيةِ المَكِّيَّةِوَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ } أيْ إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيةِ إنَّ الرِّبا لاَ ثَوَابَ فِيهِ عِنْدَ اللهِ.

2- وَفِي المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ - ألْقىَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُسْلِمِينَ دَرْساً وَعِبْرَةً مِنْ سِيرَةِ اليَهُودِ الذِينَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمْ أكْلَ الرِّبَا فَأكَلُوهُ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ بِمَعْصِيَتِهِمْ.

فَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِفَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } كَمَا جَاءَ بَعْدَهَاوَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وَهَذِهِ العِبْرَةُ لاَ يَكُونُ لَهَا أثَرٌ إلاَّ إذَا كَانَ مِنْ وَرَائِهَا نَوْعٌ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبا عَلَى المُسْلِمينَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذا المَوْضِعِ نَهْيٌ صَرِيحٌ عَنِ الرِّبا، وَلكِنَّهُ أُلْمِحَ إلَيهِ.

3- المَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَلَمْ يَجِىءِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ إلاَّ فِي المَرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ إلاَّ نَهْياً جُزْئِياً عَنِ الرِّبا الفَاحِشِ الذِي يَتَزَايَدُ حَتَّى يَصِيرَ أضْعَافاً مُضَاعَفَةً.

السابقالتالي
2