الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ }

{ ٱلْخَائِنِينَ }

(52) - وَقَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّهُ إِنَّمَا رَدَّ الرَّسُولَ، وَرَجَا المَلِكَ سُؤَالَ النِّسْوَةِ، وَالتَّحَقُّقَ مِمَّا جَرَى، لِتَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ مَوْلاَهُ العَزِيزَ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ الذِي رُبِّيَ فِي بَيْتِهِ، وَاللهُ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ. وَهَذا مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَالحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّي، وَهُوَ الأَقْرَبُ إِلى مَضْمُونِ النَّصِّ الذِي يَسْتَعْمِلِ القَائِلُ فِيهِ اسْمَ اللهِ، وَعِبَارَاتٍ لاَ يَقُولُها غَيْرُ المُؤْمِنِينَ وَالإِيمَانُ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ حَتَّى ذَلِكَ الحِينِ أَرْضَ مِصْرَ. ثُمَّ إِنَّ القَوْلَ - إِذَا كَانَتِ المَرْأَةُ هِيَ قَائِلَتُهُ - قِيلَ فِي حَضْرَةِ المَلِكِ وَهُوَ كَافِرٌ يَفْرِضُ عَلَى الشَّعْبِ عِبَادَةَ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَتَجَرَّأَ المَرْأَةُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللهِ أَمَامَ المَلِكِ.

(وَقِيلَ إِنَّ هَذا الكَلامَ قَالَتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ لِتُظْهِرَ بَرَاءَتَهَا أَمَامَ زَوْجِهَا، وَأَنَّهَا إِنَّمَا رَاوَدَتْ يُوسُفَ مُرَاوَدَةً فَقَطْ. وَلَكِنَّ السِّيَاقَ يَدْعُو إِلَى الأَخْذِ بِالقَوْلِ الأَوَّلِ:

1 - لأنَّ يُوسُفَ هُوَ الذِي طَرَحَ السُّؤَالَ وَرَفَضَ الخُرُوجَ مِنَ السِّجْنِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ، وَيَثْبُتَ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْ سَيِّدَهُ فِي أَهْلِهِ.

2 - لأِنَّ المَرْأَةَ خَانَتْ زَوْجَهَا فِعْلاً بِمُرَاوَدَةِ يُوسُفَ. أَمَّا القَوْلَ بِأَنَّهَا إِنَّمَا قَصَدَتْ بِقَوْلِهَا (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ..) يُوسفَ وَلَيْسَ زَوْجهَا. فَإِنَّ النَّصَّ لاَ يَحْتَمِلْ هَذا التَّأْوِيلَ الذِي لاَ سَنَدَ لَهُ.

3 - لأنَّ المَرْأَةَ كَافِرَةٌ لاَ تَعْرِفُ اللهَ وَلاَ تُؤْمِنُ بِهِ حَتَّى تَقُولَ: (إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ) وَ (وَإِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي).

4 - أَمَّا القَوْلُ بِأَنَّ المَرْأَةَ آمَنَتْ فَإِنَّ النَّصَّ لاَ يَحْتَمِلُهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الأَخْذِ بِهَذا القَوْلِ أَوْ ذَاكَ كَبِيرُ أَثَرٍ لأَِنَّ القِصَّةَ إِنَّمَا سِيقَتْ لِيَعْتَبِرَ النَّبِيُّ وَالمُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ أَمْراً هَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ وَتَلَطَّفَ بِهِ بِبَالِغِ حِكْمَتِهِ حَتَّى تَأْتِيَ النَّتَائِجُ كَمَا أَرَادَهَا تَعَالَى.