الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

يأكلون اموال الناس: يأخذونها بغير حق وبطرقٍ غير مشروعة. يصدون عن سبيل الله: يمنعون الناس عن معرفة الحقيقة. يكنزون الذهب والفضة: يخزنونها.

بعد ان بين الله تعالى في الآيات السالفة كيف بدّل اليهود والنصارى ديانتهم واتّخذوا أحبارَهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، بيّن هنا سيرةَ كثيرٍ من هؤلاء الرؤساء الدينيّين في معاملاتهم مع الناس، ثم أوعدَ الباخِلين الذين يكنزون الذهب والفضة في خزائنهم ولا ينفقون منها في سبيل البر والخير - واعَدَهم بالعذاب الأليم في نار جهنم.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

يا ايها المؤمنون: اعلموا أن كثيراً من علماء اليهودِ ورهبانِ النصارى يستحلُّون أكْلَ أموال الناس بغير حق، ويستغلّون ثقة الناس فيهم واتّباعَهم لهم في كلّ ما يقولون، ويصدّون الناسَ عن الدخول في الاسلام، ويَحْمِلونهم على الطعن فيه بما يبثّونه من تعاليم تخالف الواقع.

وقوله تعالى: { إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } فيه دِقة واحتراز، فإن بينهم من لا يأكلُ أموال الناس ولا بدّ من أفرادٍ في أية جماعة من الناس فيهم بقيةُ خير.

وأخذُ اموال الناس بغير حقٍّ شرعيّ له طرق عديدة، منها الرشوة لأجل الحكم والمساعدة على إبطال حق او إحقاق باطل. وهي حرام على كلّ من أخذَها سواء اكان من الرؤساء الدينيّين أو من الموظفين والحكّام...

وكذلك الرّبا، فإنه من اكبر الفواحش. ومنها أخذُ المال جُعلا على مغفرةِ الذنوب، ومنها أخذُ الأموال على الفتاوى لتحليلِ الحرام وتحريم الحلال. وهذا من أشدّ الذنوب واكبر الكبائر، كما قال تعالى مخاطبا اليهود:قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام: 91].

{ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.

والذين يجمعون الأموالَ من جميع أصنافها ويكنزونها في خزائنهم، ولا ينفقون منها في سبيل الله بأن يُخرجوا زكاتها، ويتصدّقوا منها لبناء المدارس والمتشفيات، ودور الأيتام والدفاع عن الوطن والعقيدة - فهؤلاء أنذِرْهم ايها الرسول الكريم بعذابٍ موجع.

وقد وردت عدة روايات عن الصحابة والعلماء المجتهدين أن المال الذي تؤدّى زكاتُه ليس بكنز، وهذا صحيح. ولكن هناك واجباتٍ أُخرى تستلزمها الضروةُ فيجب على اصحاب الاموال ان يشاركوا فيها مثل الجهاد وبناء المدارس والمساجد والمصحّات وغير ذلك، والذي يدخلُ تحت قوله تعالى:وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [الذاريات: 19].

{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }.

يؤتى بهؤلاء الناس يوم القيامة ويوقَدُ على هذه الأموال في نار جهنم ثم تُحرق بتلك الاموال المحْمَاة جباهُ أصحابها، وجنوبُهم وظهروهم، ويقال توبيخاً لهم: هذا ما ادّخرتموه لأنفسكم ولم تؤدوا منه حقَّ الله.

السابقالتالي
2