الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

الرب: السيد والمالك والمربي. الآله: هو المعبود بحق. والله: اسم لخالق الخلق اجمعين. السماوات والارض: هذا الكون وجميع ما فيه. اليوم: هو هنا غير أيامنا التي نحسب بها. العرش: سرير الملك وكرسيه في مجلس الحكم والتدبير. استوى على العرش: استولى عليه وملكه. غشّى الشيُّ الشيَّ: غطاه وستره. وأَغشاه اياه جعله يغطيه ويستره حثيثا: سريعا. مسخَّرات: مذلللات خاضعات لتصرفه، منقادات لمشيئته. الخلق: الايجاد بقدر. تبارك الله: تعاظمت بركاته، والبركة هي الخير الكثير الثابت.

في الآيات السابقة كان القول في أمر المَعادِ والفئات من الناس في ذلك اليوم، وما يدور من حوار بين تلك الفئات. وهنا، يذكر الخَلق والتكوينَ وبيانَ قدرته تعالى وعظيم مصنوعاته.

إن ربّكم الذي يدعوكم بواسطة رسُله إلى الحق هو خالقُ الكون ومبدعه: خلق السماواتِ والأرض في ستة أيام. وهي غير أيامنا المعروفة لأن الإنسان عندما يخرج من جو الارض ينعدم لديه الزمان المعروف عندنا ويصبح غير محدود، كما قال تعالى: { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } هذا مع انه جل جلاله قادر على ان يخلق الكون في لحظة واحدة، ولكنه يقرّب إلى أفهامنا الأمور على قدر مانستطيع فهمها.

{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ... } ثم استولى على السلطان الكامل.

وهو الذي يجعل الليلَ يستر النهارَ بظلامه، ويعقِّب الليلَ النهارَ سريعاً بانتظام كأنه يطلبه. كذلك خلقَ الشمسَ والقمر والنجوم، وهي خاضعة له مسيِّراتٌ بأمره. إن له وحده الخلقَ والأمَر المطاع { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }.

وقد تضمنت هذه الآية الكريمة ثلاثة معان:

اولها: أن السماواتِ والأرضَ خلقهما الله تعالى في ستة أيام، لكنها ليست بقدر ما نراه الآن ونعيش فيه، ونعدّه في الحساب، بل المراد تغير أحوالٍ بين ظَلام وغَبَش، وإصباح وضُحى، وظهيره وأصيل.

والأحوال الستةُ التي اعتُبرت أياماً كما يذكرها العلماء المختصّون، هي: حال الأثير، وهي التي عَبَّر عنها في سورة الدخان بأنها دخان. ثم كان من هذا الأثير شموسٌ لا حصر لها، منها شمسُنا ثم الأرض والكواكب وهذا النظام الذي نعيش فيه، وهو ذرّةٌ في هذا الكون الواسع.

ثانيها: أن كلّ ما في الكون هو في سلطان الله وحده، ولا سلطان لأحد سواه ومهما يُؤْتَ الانسان من قوةٍ فلن يستطيع تسيير الكون على ما يريد، وأقصى ما يستطيعه أن ينتفع به، ويعرف بعض ما فيه من أسرار.

ثالثها: أن تعاقب الليل والنهار جاءَ بعد خلْقِ الأرض والسماوات، في احوال نسبية بالنسبة لأصل تكوين الارض والعلاقات بينهما وحركاتهما.

قراءات:

قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عصام: يُغَشّىِ، بالتشديد وقرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وعاصم في رواية حفص يُغْشي بضم الياء وسكون الغين.