الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }

الكتاب: الصحيفة المكتوبة، ومجموعة الصحف في موضوع واحد. القرطاس: الورق الذي يكتب فيه. اللمس: مسُّ الشيء باليد، وقد يستعمل بمعنى طلب الشيء، يقال: لمسه والتمسه وتلمّسه. السحر: خداع وتمويه يُري ما لا حقيقة له في صورة الحقائق لقُضي الأمر: لتم هلاكهم. لا ينظَرون: لا يمهلون. اللبس: الستر والتغطية.

بعد أن أرشد سبحانه في الآيات المتقدمة إلى ما دعا اليه الرسولُ الكريم من التوحيد والبعث، ثم ذكر أن قريشا نزعت إلى التكذيب، وانذرهم عاقبة ذلك طالباً اليهم أن يتعظوا من أمم غابرة- أورد هنا شُبهاتِ أولئك الجاحدين المعاندين على الوحي وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم منها لجوؤهم الى رمي الحديث بالسحر. وتفسير الآية:

ولو انْزلنا عليك ايها النبي هذا القرآن مكتوبا في ورق ظاهر، كدليل على رسالتك، قرأوا بأعينهم وتأكدوا منه بلمسه بأيديهم لقالوا: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر واضح ظاهر.

وكان كفار قريش وزعماؤهم يتعنّتون كثيراً ويطلبون من الرسول الكريم اشياء للتعجيز، وكان النبي يعجَب من كفر قومه به وبما انزل عليه، رغم وضوح برهانه - فبيّن الله تعالى أسباب ذلك، وان هذا قديم في طباع البشر وأخلاقهم.

وكان من تعنت قريش أنهم اقترحوا ان يُنزل على الرسول ملَك من السماء يسمعون كلامه ويرونه، ويكون معه رساله من ربه. وقد رد الله تعالى الاقتراحين بقوله تعالى:

{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }

قالوا: نطلب ان ينزل الله عليه ملَكاً يصدِّقه، ولو أنزلْنا كما اقترحوا لقُضي الأمر بإهلاكهم ثم لا يؤخَّرون ساعة. ولو جُعل الرسول ملَكاً لجُعل متمثّلاً في صورة بشرٍ، وذلك ليستطيعوا رؤيتَه، وسماعَ كلامه فالملائكة ارواح لطيفة لا تُرى، ولا يمكن ان يظهروا للعيان الا في صورة جسم بشري. ولو جاءهم ملك في صورة بشر لاعتقدوا انه بشر مثلهم، وحينئذٍ يقعون في اللَّبس والخطأ الذي يتخبطون فيه الآن.

وقد ذكر الإِمام البخاري في تفسير " قضاء الأمر " عدةَ وجوه:

1- ان سنة الله قد جرت بأن أقوام الرسل إذا اقترحوا آية ثم لم يؤمنوا بها بعد أن جاءتهم - عذّبهم الله عذاب الاستئصال. والله لا يريد ان يستأصل هذه الأمة التي بعث فيها خاتم رسله نبي الرحمة { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }.

2- انهم لو شاهدوا الملَك بصورته الأصلية لماتوا من هول ما يشاهدون.

3- انهم اقترحوا ما لا يتوقّف عليه الإيمان، فلو أُعطوه ولم يجدِ ذلك معهم نفعا - دلّ ذلك على منتهى العناد الذي يستدعي الاهلاك وعدم الإمهال..