نقم منه كذا: أنكره عليه وعابه بالقول او الفعل. المثوبة: الجزاء والثواب. الطاغوت: الطغيان، وهو مجاوزة الحد المشروع. السحت: المحرّم، والدنيء من المحرمات. بعد النداءات الثلاثة التي مرت { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ... } و { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ... } و { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً... } يتوجّه الخِطاب إلى الرسول ان يواجه أهلَ الكتاب فيسألهم ماذا ينقمون من المسلمين؟ قل لهم يا محمد: أنتم يا أهل الكتاب، هل تعيبون علينا شيئا غير إيماننا الصادق بالله وتوحيدِه، وإيماننا بما أَنزل الله إلينا وسابقينا من رُسُله، واعتقادنا الجازم أن أكثركم خارجون عن حظيرة الإيمان الصحيح؟ روى ابن جرير عن ابن عبّاس قال: " أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من اليهود منهم ابو ياسر أخطب، ورافع بن أبي رافع في جماعة، فسألوه عمَّن يؤمن به من الرسل فقال: " أومن بالله ما أُنزل الينا، وما أنزل الى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى عيسى وما أوتي النبيّون من ربهم، لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحنُ له مسلمون ". فلما ذَكر عيسى جحدوا نبّوته وقالوا لا نؤمن بمن آمن به، فأنزل الله فيهم { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ... }. " قل لهم: ألا أخبرُكم بأعظمِ شرّ في الجزاء عند الله. إنه اذا انصبّ على موقعٍ لعَنَهم الله، وسخط عليهم، وطمس على قلوبهم، فكانوا كالقِردة والخنازير، وعبدوا الشيطان, أولئك الذين اتّصفوا بما ذُكر من المخازي وشنيع الأمور، ولا مكانَ لهم في الآخرة إلا النار، لأنهم أبعدُ الناس عن طريق الحق. ثم بيّن حال المنافقين منهم فقال: { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } وإذا جاءكم المنافقون، كذبوا عليكم بقوله: آمنّا، والحق أنهم قد دخلوا إليكم كافرين، كما خرجوا من عندكم كافرين. كما جاء في سورة البقرة.. { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ... } الآية، والله أعلَمُ بما يكتمون من النفاق. ثم ذكر في شئونهم ما هو شر مما سلف فقال: { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ }. وترى أيها الرسول كثيراً من هؤلاء اليهود يسارعون في المعاصي والاعتداء على الناس، وفي أكْلِ الحرام كالرِشوة والربا. ثم بالغ في تقبيح هذه الأعمال، فقال { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي واللهِ، ما أقبح هذا العملَ الذي يعمله هؤلاء من مسارعتهم في كل ما يفسد النفوس ويقوّض نظم المجتمع! ويل للأمة التي تعيش فيها أمثال هؤلاء! فهلاّ نهاهم عُلماؤهم وزّهادهم عن أفعالهم القبيحة! والى هذا أشار الله تعالى بقوله: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.