الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

الرؤيا: ما يراه النائم. صدَق الله رسوله الرؤيا: صدقه فيما رآه في نومه ولم يكذبه. محلّقين رؤوسكم ومقصرين: بعضكم يحلق شعره كله، وبعضكم يقصر منه. ليُظهره على الدين كله: ليعليه على سائر الأديان. فضلا: ثوابا. سِيماهم: علامتهم. مثَلهم: وصفهم. شَطْأه: شطأ الزرع ما يتفرع عليه من أغصان وورق وثمر. آزره: أعانه وقوّاه. وهو من المؤازرة وهي المعاونة. استوى: استقام. على سوقه: على قصبه وأصوله، والسوق جمع ساق.

رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه وهو في المدينة قبل ان يخرج الى الحديبية رؤيا أنه يدخلُ المسجدَ الحرام هو واصحابه آمنين، منهم من يحلق شعره كله، ومنهم من يقصّر منه. فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا انهم داخلون مكة في ذلك العام الذي خرجوا فيه الى الحديبية. فلما انصرفوا ولم يدخلوا مكة شقَّ ذلك عليهم، وقال المنافقون: أين رؤيا النبي التي رآها؟ فانزل الله تعالى هذه الآية. ودخلوا في العام المقبل. وهذا معنى { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ...الآية } { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } هو صلح الحديبية وفتح خيبر.

ثم أكد صدقَ الرسول الكريم في الرؤيا بقوله:

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

وهذا وعدٌ من الله حقّقه للرسول الكريم في حياته ثم انتشر الاسلام في جميع أرجاء الأرض في اقصر مدة.

وبعد ان بين الله تعالى انه ارسل رسوله بالهدى ودين الحق الذي هو الاسلام، ليظهره على جميع الاديان - أردف ذلك ببيان أوصاف الرسول الكريم واصحابه. فوصفهم بأوصافٍ كلها مدائح لهم، وذكرى لمن بعدهم. بتلك الاوصاف سادوا الأمم، وامتلكوا الدول، ونشروا الاسلام، وقبضوا على ناصية العالم. وهذه الصفات هي:

1- انهم أشدّاء على من خالف دينهم وبادأهم العداء، وهم متراحمون متعاطفون فيما بينهم.

2- انهم جعلوا الصلاة والاخلاصَ لله طريقتهم في أكثر أوقاتهم، لذلك تُبِصرهم راكعين خاشعين كثيرا.

3- وانهم بذلك يطلبون ثوابا عظيما من الله تعالى ورضوانا منه.

4- ذلك وصفهم البارز في التوراة.

5- وفي الانجيل ضرب بصفتهم المثل فقال: سيخرج قوم ينبُتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

ذلك انهم في بدء الاسلام كانوا قليلي العدد ثم كثروا وارتقى أمرهم يوما بعد يوم حتى أعجب الناسُ بهم، كصفة زرع اخرج اول ما ينشقّ عنه، فآزره فتحوّل من الدِقة الى الغِلظ، فاستقام على أصوله، يُعجِب الزراعَ بقوّته واكتماله. وكذلك كان حال المؤمنين لِيَغيظَ الله بهم وبقوّتهم الكفار.

{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

وقد وفى سبحانه وتعالى بوعده ونصر رسوله وجُندَه، وهزم الأحزابَ وحده.

السابقالتالي
2