الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }

أولياء: ناصرين. أنيب: ارجع اليه. فاطر السماوات والأرض: خالقهما ومبدعهما. من أنفسكم ازواجا: من جنسكم، وعبّر بانفسكم لأن اقرب شيء الى الانسان زوجته. ومن الانعام ازواجا: ذكراً وانثى. يذرؤكم فيه: يكثركم بهذا التدبير المحكم، ذرأ الله الخلق: بثّهم وكثّرهم. مقاليد، واحدها مقلاد ومقليد: مفاتيح. يبسط الرزق: يوسعه. ويقدر: يضيّقه. أقيموا الدين: حافظوا عليه وثبتوا دعائمه. ولا تتفرقوا فيه: لا تختلفوا فيه. كبُرَ على المشركين: عظُم وشقّ عليهم. يجتبي: يصطفي. بغياً بينهم: ظلماً وتجاوزا لحدود الله.

ان هؤلاء المشركين اتخذوا أولياء من دون الله، وذلك لجهلهم وعنادهم، وقد ضلّوا ضلالاً بعيدا، فاللهُ وحده هو الوليّ بحق، وهو يحيي الموتى للحساب والجزاء، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

ثم بيّن الله تعالى ان مردّ الحكم والفصل اليه، وكل شيء اختلفتم فيه فحُكْمه إلى الله، وقد بينه لكم. ولذلك أمَرَ الرسولَ الكريم ان يقول لهم:

{ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

وهذا خطابٌ لجميع الناس ليعلموا أن كل شيء يختلف الناس في انه حقٌّ أو باطل فالمرجع فيه الى القرآن، فقولُه الفصلُ وحكمه العدل. كما قال تعالى:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [النساء: 59].

{ فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }

الله ربي وربكم خالقُ السماوات والارض على احسن مثال.

{ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ }

خلق لكم من جنسكم زوجاتٍ لتسكنوا اليها.... وعبّر بقوله " من انفسكم " لأن أقربَ انسان للمرء هي زوجته، فكأنها منه ومن نفسه. وخلق لكم من الانعام أزواجا ذكورا وإناثا.

{ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ }

لتتناسلوا وتكثروا بهذا التدبير المحكم.

ثم بين بعد ذلك انه مخالفٌ لكل الحوادث لا يشبهه شيء { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، السميع لما يجري وينطِق به الخلقُ، والبصيرُ بأعمالهم، وبيده مفاتيحُ خزائن السماوات والأرض.

{ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ }

يوسع الرزقَ لمن يشاء ويضيّقه على من يشاء.

{ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

لا يخفى عليه شيء، فيفعل كلَّ ذلك على مقتضى حكمته الكاملة، وقدرته الواسعة، وعلمه المحيط.

ثم بين الله تعالى بعد ذلك انه شَرَعَ لكم ما شرع للأنبياء قبلكم، ديناً واحداً في الأصول هو التوحيد، والتقرب بصالح الاعمال، و الكف عن المحارم وإيذاء الخلق.. لكنّ المشركين كَبُرَ عليهم دعوتُهم الى التوحيد وتركِ الأنداد والأوثان، ولذلك أوصى الله المؤمنين أن يقيموا الدين بإعطائه حقه، وان لا يختلفوا ولا يتفرقوا فيه، وقد هداهم الى ذلك لأنه اصطفاهم من بين خلقه، فالله سبحانه يصطفي من يشاء، ويوفّق للايمان وإقامة الدين من يرجع اليه.

والمشركون ما خالفوا الحقّ الا من بعد ما بلَغَهم، وقامت الحجةُ عليهم، وما فعلوا ذلك إلا بغياً منهم وعدواناً وحسدا.

{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ }

لولا الكلمة السابقة من الله حول إمهال المشركين الى يوم القيامة لعجَّل الله لهم العقوبة في الدنيا.

وان اهل الكتاب ليسوا على يقينٍ من أمرهم وإيمانهم، وانما هم مقلِّدون لآبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا برهان ولذلك إنهم { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } فهم في حَيرة من امرهم، وشكٍ جعلهم في ريب واضطراب وقلق.