الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }

اسرفوا على انفسهم: تجاوزا الحد فيما فعلوه من المعاصي. لا تقنطوا: لا تيأسوا. أنيبوا: ارجعوا إلى ربكم. وأسلموا: أخلصوا له. احسن ما انزل اليكم: القرآن. قرّطت: اهملت وقصرت. في جنب الله: في حقه وطاعته. لو ان لي كرّة: لو ان لي رجعة.

{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ.... }

ان هذه الآية الكريمة اعظم بشرى لنا نحن المؤمنين، فهي دعوة صريحة من الله لنا الى التوبة، ووعدٌ بالعفو والصفح عن كل ذنبٍ مهما كبر وعظم. وقد ترك الله تعالى بابه مفتوحا للرجوع اليه امام من يريد ان يكفّر عن سيئاته، ويصلح ما أفسد من نفسه.

روى الامام احمد عن ثوبان مولى رسول الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ.... } فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت الرسول الكريم، ثم قال: أَلا ومن الشرك - ثلاث مرات " الى احاديث كثيرة كلها تبشر بسعة رحمة الله، والبشرى بالمغفرة مهما جل الذنب وكبر، ويا لها من بشرى. { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } صدق الله العظيم. { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } فمن أبى هذا التفضل العظيم، والعطاء الجسيم، وجعل يقنّط الناس، وتزمّتَ مثل كثير من وعّاظ زماننا، وبعض فئات المتدينين على جَهل - فقد ركب أعظم الشطط، فبشّروا يا ايها الناس ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، يرحمكم الله.

ثم امر سبحانه بشيئين: فقال:

1 - { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ.... } اغتنموا هذه الفرصة ولا تضيعوها ايها الناس، وتوبوا الى بارئكم.

2 - { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ.... }.

ثم بين بعد ذلك ان عاقبة من أهل التوبةَ هو ما يحل به من الندامة يوم القيامة فقال:

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ }.

بادروا الى العمل الصالح والتوبة واحذَروا ان تفوتكم الفرصة، فتقول بعض الانفس يوم القيامة: يا حسرتا على تقصيري وتفريطي في طاعة الله، وكثرة سخريتي واستهزائي بدين الله وكتابه ورسوله. او تقول: لو ان الله هداني الى دينه وطاعته لكنتُ من الفائزين. او تقول حين ترى العذاب: ليس لي رجعةً الى الدنيا فأكون من المهتدين. فيقال له:

{ بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا.... }

ليس الأمر كما زعمتَ، ولا فائدة من ذلك، فقد جاءتك آياتي في الدنيا على لسان رسولي فكذّبته وكذّبت بآتي، واستكبرت عن قبولها { وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }.