الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

أُسوة، وإسوة: قدوة. قضى نحبه: مات او استُشهد في سبيل الله. بغيظهم: بأشد ما يكون من الغضب. ظاهَروهم: عاونهم. من اهل الكتاب: اليهود من بني قريظة. من صياصيهم: من حصونهم، واحدها صِيصِية وهي كل ما يُمتنع به. قذف في قلوبهم الرعب: القى في قلوبهم الخوف الشديد.

لا يزال الحديث عن غزوة الاحزاب.

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.... }

في هذه الآية عتاب من الله للمتخلّفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كان لكم في رسول الله قُدوة حسنةٌ أن تتأسُّوا به، ولا تتخلّفوا عنه، وتصبروا على الحرب ومعاناة الشدائد، لمن كان يرجو ثواب الله والفوز بالنجاة في اليوم الآخر. وقد قرن الله الرجاء بكثرة ذكر الله.

قراءات:

قرأ عاصم: أُسوة بضم الهمزة، والباقون: إسوة بكسرها وهما لغتان.

ولما رأى المؤمنون الأحزابَ مقبِلين للقتال، يتوافدون حماسةُ وحباً للانتقام { قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من نزول الشدائد ووقوع الفتن، امتحاناً لإيمان عباده. وقد صدق الله ورسوله وما زادَهم هولُ ما رأوا الا إيماناً بالله، وتسْليماً لأوامره وقضائه. هذا هو الإيمان الحق، الصبر والثبات، والتسليم الى الله ورسوله، والثقة بنصر الله.

{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً }.

من المؤمنين بالله ورسوله رجال وَفَوا بما عاهدوا الله عليه من الصبر على الشدائد، فمنهم من فَرَغَ من العمل الذي كان نَذَرَه لله وأوجبَه على نفسه، فاستُشهد بعضُهم يوم بدر، وبعضهم يوم أحد، وبعضهم في غير ذلك من المواطن المشرفة، { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } الشهادةَ، وما غيَّروا العهدَ الذي عاهدوا ربهم، كما غيره المعوِّقون القائلون لإخوانهم: هلمّ الينا، والقائلون: إن بيوتَنا عَورة.

{ لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

ان الله سبحانه يختبر عبادَه بالخوفِ والشدائد ليُظهرَ الصادقَ بإيمانه من المنافق الكذاب كما قال:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } سورة [محمد:31]. ويعذّب المنافِقين إذا استمرّوا على نفاقِهم. فإن تابوا، فإن الله غفور رحيم. وباب التوبة عنده مفتوحٌ دائما وابدا، وهو يغفر الذنوب جميعا.

{ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }.

انتهت المعركة وانفرجت الغُمة، وردَّ الله الكفار ممتلئةً قلوبُهم بالغيظ خائبين، لم ينالوا خيراً من نصرٍ او غنيمة. وكفى الله المؤمنين مشقَّة القتال، وكان الله عزيزاً بحَوْله وقوته.

روى الشيخان من حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا إِله إِلا الله وحدَه، صدق عبدَه، وأعزَّ جنده، وهزم الأَحزابَ وحده، فلا شيء بعده "


السابقالتالي
2