الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }

أدنى الأرض: بلاد الشام والعراق، لأنها أقرب البلاد الى مكة. من بعد غَلَبِهِم: من بعد ما غلبوا. في بضع سنين: البضع ما بين الثلاثة الى العشرة. ظاهر الحياة الدنيا: هو كل ما يشاهَد ويدرك بالحواس.

كانت الدولة الرومانية والدولة الفارسية أعظمَ دولِ العالم في عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت الحروبُ بينما دائمة. وفي عصر كسرى أبرويز نَشِطت الدولةُ الفارسية وانتصرت على الروم واستولت على جميع ممتلكاتهم في العراق وبلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى. يومذاك تقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسُدّت عليها جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس، وعم القحط، وفشت الامراض الوبائية. وأخذ الفرس يستعبدون الرعايا الروم ويستبدّون بهم للقضاء على المسيحية، فدمروا الكنائس وأخذوا خشبة الصليب المقدس وأرسلوها الى المدائن. وأراقوا دماء ما يقرب من مائة الف من السكان المسيحيين. وأوشكت الامبراطورية الرومانية على الانهيار.

في هذه الفترة كان المسلمون في مكّةَ في أصعبِ أيامهم وأشدّ مِحنتهم، وفي حالةٍ من الضعف والضَنْك لا يمكن تصوُّرها. وقد فرح المشركون بنصر الفُرس لأنهم وثنيون مثلهم، وحزِن المسلمون باندحار الروم لأنهم أهلُ كتاب. وقال المشركون شامتين: لقد غلب إخوانُنا إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم إذا لم تتركوا دينكم الجديد هذا.

{ الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ }.

يقول المؤرخ البريطاني " جيبون " في كتابه " تدهور الامبراطورية الرومانية وسقوطها " تعليقا على نبوءة القرآن هذه: " في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذا لم تكن اية نبوءة ابعدَ منها وقوعا، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة هِرَقل كانت تؤذِن بانتهاء الامبراطورية الرومانية " ، المجلد الخامس صفحة 74.

" فلما سمع أَبو بكر رضي الله عنه هذه الآيات خرج الى المشركين فقال لهم: أفرِحتم بظهور إخوانكم الفرس، فواللهِ لتظهرنَّ الرومُ على فارس كما أخبرنا بذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم. فقام اليه أُبيّ بن خلف فقال له: كذبتَ. فقال أبو بكر: أنت كذبتَ يا عدو الله. اجعل بيننا أجَلاً أراهنك على عشر قلائص منّي وعشرٍ منك، فان ظهرت الرومُ على فارس ربحتُ انا الرهان، وان ظهرت فارس ربحتَ أنت الرهان. ثم جاء الى النبيّ عليه الصلاة والسلام فأخبره، فقال الرسول الكريم: زايدْه في الرِهان ومادَّه في الأجلِ.

فخرج ابو بكر، فلقي أُبي بن خلف فقال له: لعلّك ندمتَ؟ فقال: لا. فقال أبو بكر: تعالى أزايدْك في الرهان، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال: قد فعلت. وقد قتل أُبي في معركة أُحُد. ولما ظهرت الرومُ على الفرس واستعادوا بلادهم وصدقت نبوءة القرآن، أخذ ابو بكر مائةَ ناقة من ورثةِ أُبيّ وتصدّق بها. وهذا كان قبل تحريم الميسر "


السابقالتالي
2