الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

الأمة: الجماعة. الخير: ما فيه صلاح الناس في الدين والدنيا وهنا هو الإسلام.

المعروف: ما استحسنه الشرع والعقل.

بعد أن أرشد الكتاب المؤمنين الى صلاح أنفسهم، وتزكيتها بالعمل بتقوى الله والتمسك بحبله المتين - بين لهم واجبهم الذي يقوم على القاعدتين اللتين مر ذكرهما: الإيمان بالله، والأُخوة في الله. وهذا واجب ضروري لإقامة دين الله على الأرض، وتغليب الحق على الباطل. لذلك وجب على المسلمين ان تكون فيهم جماعة متميِّزة تقوم بالدعوة الى الخير وصلاح البشرية. ويجب ان تكون هذه الطائفة معيّنة من قبل الحاكم وان تتمتع بالسلطة الكافية لإنجاز ذلك، وان يقوم كل واحدٍ منها باختصاصه حتى لا تحدث الفوضى وتضطرب الأمور.

هذا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف عسير يتطلب القيامُ به مؤمنين حقا، متحلّين بالخُلق العظيم والصبر والفهم والمرونة، لأنهم سوف يصطدمون بأصحاب المصالح وذوي النفوذ والكبرياء والغرور. وعلى هذا فلا بد من اختيار جماعة يكون عملها خالصاً لوجه الله ويؤتي ثمره على أحسن الوجوه، حتى يصدق على افرادها قوله تعالى { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أفضلُ الجهاد الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن غضِب لله غضب الله له ". قال تعالىيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105].

" والمراد بالخير هنا الإسلام، وبالمعروف طاعة الله، وبالمنكر معصيته، ومحصل المعنى أنه لا بد من وجود جماعة تدعو غير المسلمين الى الإسلام، وتدعو المسلمين الى ما يرضي الله، ويثيب عليه، وترك ما يغضبه، ويعاقب عليه.

ولفظ (منكم) في الآية قرينة على ان وجوب الأمر بالمعروف على سبيل الكفاية، دون العين، إذا قام به البعض سقط عن الكل.

وليس من الضروري أن يكون القائم بهذه المهمة عادلاً، بحيث لا يجوز للفاسق أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.. كلا، لأمرين: الأول ان شرط الحكم تماماً كالحكم لا يثبت الا بدليل، ولا دليل على شرط العدالة هنا لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من العقل. الثاني ان حكم الآمر بالمعروف لا يناط بطاعة أو معصية غيره من الأحكام.

وكثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر آمناً على نفسه، بحيث لا يصيبه أي ضرر اذا أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر.

ولكن هذا الشرط لا يطّرد في جميع الموارد، فإن قتال من يحاربنا من أجل ديننا وبلادنا واجب، مع العلم بأن القتال يستدعي الضرر بطبعه:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ }

السابقالتالي
2 3