الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } * { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ }

نتخطف: نسلب بلدنا ونقتل. يُجبى اليه: يجلب اليه. بطِرت معيشتَها: بغت وتجبّرت وكفرت بالنعمة. أمها: اكبرها، عاصمتها. من المحضَرين: الذين يحشرون للحساب والجزاء. وقد تكرر هذا التعبير في القرآن:لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [الصافات:57].فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [الصافات:127]فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } [الروم:16] [سبأ:38].

{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

يقرر جمهور المفسرين ان هذه الآية نزلت في ابي طالب، فقد ورد في الصحيحين أنها نزلت فيه. وروي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة أنها نزلت في أبي طالب. ففي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب: " لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدَ الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله: يا عم، قل لا اله الا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال ابو جهل وعبد الله بن امية: يا أبا طالب، أترغبُ عن ملّة عبد المطلب؟. فكان آخر ما قال: انه على ملة عبد المطلب " وعند الشيعة الامامية الاجماع على ان ابا طالب مات مسلما، والله أعلم.

ومعنى الآية: انك لا تستطيع هداية من أحببتَ من قومك او غيرهم، وانما عليك البلاغ، واللهُ يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك. { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }.

ثم اخبر سبحانه عن اعتذار كفار قريش في عدم اتّباعهم الهدى فقال:

{ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ }

وقال مشركو مكة: إننا نخشى إن اتبعناك على دينك وخالفنا من حولنا من العرب ان يقصدونا بالأذى، ويُجلونا عن ديارنا، ويغلبونا على سلطاننا.

وقد رد الله عليهم مقالتهم فقال:

{ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

إن ما اعتذرتم به غيرُ صحيح، فقد كنتم آمنين في حرمي، تأكلون رزقي، وتعبدون غيري، افتخافون اذا عبدتموني وآمنتم بي؟ وقد تفضّل عليكم ربك وأطعمكم من كل الثمرات التي تُجلَب من فِجاج الارض. ولكن اكثرهم جهلةٌ لا يعلمون ما فيه خيرهم وسعادتهم.

قراءات

قرأ الجمهور: يُجبى بالياء وقرأ نافع: تُجبى بالتاء.

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ }

وكثير من القرى أثرى أهلُها فبطِروا وأفسدوا في الأرض فخرّب الله ديارهم واصبحت خاوية لم يسكنها أحدٌ بعدهم الا فترات عابرةً للمارين بها، وورثها الله جل جلاله. ومثلُه قوله تعالى:وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود:117].

ثم اخبر سبحانه عن عدله وانه لا يُهلك أحدا الا بعد الإنذار وقيام الحجّة بارسال الرسل فقال:

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }

ليست سنّة الله وعدله ان يُهلك القرى حتى يبعثَ في كُبراها رسولاً يتلو عيلهم الآياتِ ويدعوهم الى الله، ولا يمكن ان نهلك القرى والمدنَ الا اذا استمر أهلُها على الظلم والفساد والاعتداء.

السابقالتالي
2