الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

بعد ان استعرض الله تعالى طوائف الناس الثلاث: المؤمنين المتقين، والكافرين، والمنافقين ـ وجّه دعوة عامة للناس جميعاً الى عبادته والايمان بالكتاب الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، وخاطبهم بـ { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ، فوصفهم بهذه الإنسانية التي هي عنوان على العقل والنظر و التدبُّر.

يا أيها الناس اعبُدوا ربَّكم. الذي أنشأكم وخلقكم كما خلق الأقوام الذين سبقوكم. إنه خالق هذا الكون وكل شيء فيه. اعبُدوه لعلكم تُعدون أنفسكم وتهيئونها لأن تتطهر بفضل عبادتها له فيسهُل عليها ان تذعن للحق.

وبعد ان أرشدهم الرحمن الى دلائل التوحيد وحثهم على عبادة الخالق العظيم أشار لهم الى دلائل وحدانيته من آيات قدرته المحيطة بهم في أرضه وسمائه، وبصّرهم بما أنعم عليهم فيها من وسائل الحياة، وموارد الرزق فقال: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً } مهّده بقدرته وبسَط رقعته بحكمته كما يسهُل عليكم العيش فيها والانتفاع بها. والبسط والتمهيد هنا لا يعني كروية في الشكل ولا عدمها، وانما يعني تذليل الأرض لنفع الانسان. لكنّ الله بسط لنا في الأرض السهول، وجعل لنا فيها الجبال الشاهقة والبحار العميقة، والأنهار الجارية والأودية السحيقة: كل ذلك جعله لنا، نتمتع بكافة خيراتها العديدة الأصناف. اما فوقنا فقد جعل السماء وأجرامها وكواكبها المتراصة في نظرنا كالبنيان المشيد. ومن هذه السماء أمدّنا جلّ وعلا بسب الحياة والنعمة. ألا وهو الماء، انزله علينا يغيثنا به فجعله سبباً لأخراج النبات والشجر المثمر. لذا فإن من عمى البصيرة والبصر أيها الناس ان تجعلوا لله أندادا. فلا تفعلوه. إذ من الغيّ وحده أن تتصوروا ان لله نظراء، ثم تأخذون تعبدونهم كعبادته. انه خالقكم، ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الأصيلة تعلمون انه لا مثيل له ولا شريك، فلا تحرّفوا هذه الطبيعة. نعم ان كثيراً من مشركي العرب كانوا يعتقدون بالإلَه لكنهم يتذرعون بقولهم: انما نعبد هذه الأصنام لتُقِّربنا الى الله.. فهل الله في حاجة الى وثن يتخذه واسطة بينه وبين عباده!!

وفي هذه الآية جزء من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى { ٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } ، ففي ذلك معنى ما كان يمكن أن يعرفه النبي الأميّ الا بوحي من الله. فالسماء في المعنى العلمي هي كل ما يحيط بالارض في أي اتجاه، و الى أي مدى، وعلى أية صورة، ويشمل ذلك الجوّ المحيط بالارض الى ارتفاعات تنتهي حيث يبدأ الفراغ الكوني الشاسع بما فيه من الأجرام السماوية المنتشرة في اعماقه السحيقة على اختلاف أشكالها وأحجامها. وهي تتحرك في نظام بديع عجيب، على أساسه يتوالى ظهورها واختفاؤها لسكان الأرض. وهي جميعاً في دورانها وترابطها بقوى الجاذبية، كالبنيان في تماسكه واتزانه، وتدّرجه طبقة بعد طبقة.

السابقالتالي
2